بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم اصلح لنا نفوسنا
قال الله سبحانه(قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)
قال ابن كثير،قوله تعالى( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا )يقول،قد فاز ونجا من طهر نفسه بالإيمانِ والطاعة،فصار زاكياً طاهراً بنعيم الجنة،
(وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)أي وقد خسر من دسَّ نفسه،أي أهملها في الكفرِ والمعاصي،
ومعناه،قد أفلحَ من زكى الله نفسه،أي أصلحها الله وطهرها من الذنوب ووفقها للتقوى،
وقد خاب وخسر من دساها،أي شهرها وأخذلها وأحملها وأخفى محملها،حتى عملت بالفجور وركبت المعاصي،وأهلكها،
وكان من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام(اللهم آت نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها)
ولذلك أفضل ما يُشغل الإنسان نفسه،هو تزكية هذه النفس الأمارة بالسوء،
قال ابن قدامة المقدسي،من أراد الوقوف على عيوب نفسه،في أربع طرق،
أولاً، أن يجلِسَ بين يدي شيخٍ بصيرٍ بعيوب النفس،يعرفه عيوب نفسه وطرق علاجها،فلا ينبغي أن يفارقه،
ثانياً، أن يطلب صديقاً صدوقاً بصيراً متديناً،وينصبه رقيباً على نفسه، لينبهه على المكروه من أخلاقه وأفعاله،
وقد كان أمير المؤمنين عمر ابن الخطَّاب رضي الله عنه يقول(رحِم الله امرءاً أهدى إلينا عيوبنا )
وقد كان السلف يحبون من ينبههم على عيوبهم، ونحنُ الآن في الغالب أبغضُ الناسِ إلينا من يُعرِّفُنا عيوبنا،
ثالثاً، أن يستفيد معرفةَ عيوبِ نفسِه من ألسنةِ أعدائه،فإن عين السخط تبدي المساوئ،وانتفاع الإنسان بعدو مشاجر يذكر عيوبه، أكثرُ من انتفاعِه بصديق مُداهن يُخفي عنه عيوبه،
رابعاً،أن يُخالط الناس، فكل ما يراه مذموماً فيما بينهم يجتنبُه )
واعلم أن إصلاحك لنفسك يكون على مراحل أربع وهي،
أولاً، إصلاح القلب،فالقلب بصلاحه يصلح الجسد كله،كما قال صلى الله عليه وسلم(ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله،ألا وهي القلب)رواه البخاري،
ولأن الجوارح ترجمان القلب،فهي تعبر عما يكنه القلب ويستره،
ثانياً، إصلاح السلوك،فلا بد من صلاح سلوك الفرد، ولذا عني الإسلام بتهذيب سلوك المسلم، فهو عنوان التزامه وتدينه،
ثالثاً، إعداد الجوارح للسلوك الصالح،كما أن صلاح القلب والسلوك يؤثر بلا شك على جوارح الإنسان،
رابعاً، التجهيز لأداء النفس لدور في المجتمع،فالمسلم يحيا في حياته ليؤدي دوراً، لا ليعيش ليأكل،وينام،
ولذا أوجب الإسلام على المسلم أن يؤدي دوراً في مجتمعه، كل يوم قدر استطاعته،
ومن درر الحسن البصري حيث قال( أدركت أقواماً لم تكن لهم عيوب، فتكلموا في عيوب الناس، فأحدث اللّه لهم عيوباً، وأدركت أقواماً كانت لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس، فستر اللّه عيوبهم )
هكذا كثير من الناس يُبتلى من حيث لا يدري، لأنه كان في عافية وفضل من الله، فانشغل بغيره، وكل منشغل بغيره فهو ضعيف في نفسه، لأنه لا يقوى على مصارحتها، وكشف ما بها من عطب،
كن صريحاً مع نفسك،محباً نجاتها، مريداً مصلحتها، ولا تنشغل بغيرها إلا فيما أوجبه الله عليك،لا فيما حرمه الله عليك،
يقول الدكتور،مصطفى السباعي( إذا همَّت نفسك بالمعصية، فذكرها بالله، فإن هي اتعظت،فاحمد الله، وإن لم تتعظ، فذكرها بأخلاق الرجال، فإن هي اتعظت،فاحمد الله،وإن لم تتعظ، فذكرها بالفضيحة إذا علم بها الناس، فإن هي اتعظت،فاحمد الله، وإن لم تتعظ، فاعلم بأن نفسك بعد هذه اللحظة،قد تحوَّلت إلى حيوان )
من النفوس من تقف عند حدود الله، بمجرد التذكير،وأقلِّ الوعظ، وحالها يقول،لا تنظر لصغر الذنوب، ولكن،انظر إلى عظم من تعصي، فهؤلاء يعيشون درجة الإحسان في الطاعة، وهي عبادة الخالق كأنه يراك، فإن لم تكن تراه فإنه يراك،
ومنها مريضة تحتاج بعض الرعاية،والكثير من الحكمة لتؤثر الآخر على نفسها، مرضهم الجاه والسلطة، همُّهم ما يقول الناس عنهم، وكيف يستقبلونهم ويحتفوا بهم، تراهم يراؤون الناس في أقوالهم وتعاملاتهم، وللأسف الكثير منا يزيد من مرضهم، بمراءاتهم لهم، ومجاملاتهم لهم،
ونفوس أسرتها أهواؤها وشهواتها،فأخذت بهم إلى بؤر السوء، وقاع الانحطاط، حتى تساووا بتصرفاتهم، واتباعهم شهواتهم،
فهنيئاً لمن سمت نفسه وعلت فوق شهواتها؛ لتقترب من منازل الملائكة، بل وتعلو عنها، ويباهي الله بصنيعهم الملائكة،
نعلم أن عصرنا هذا مليء بالفتن،ما يختبر بها الله عبده المؤمن، فإذا عرضت عليك المعصية والفتن فاستشعر لذة ترك المعاصي،
سيقذف الله في قلبك نور وطمأنينة، ولذة لا تعادلها لذة أخرى، وتذكرَ أنك إلى اللهِ قادم، فكما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل، ولا يظلمُ ربك أحداً،
كم من ذنب حرم قيام الليل،وكم من نظرة حرمت صاحبها نور البصيرة،
قول وهيب بن الورد حين سئل،أيجد لذة الطاعة من يعصي،قال،لا، ولا حتى من همَّ بها،
فأعظم عقوبات المعاصي حرمان لذة الطاعات، وإن غفل عنها المرء لقلة بصيرته، وضعف إيمانه، أو لفساد قلبه،
قال ابن الجوزي( قال بعض أحبار بني إسرائيل،يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني،فقيل له،كم أعاقبك وأنت لا تدري، أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي،
من أقوال السلف في المعاصي،قال ابن عباس،إن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق،
وقال يحيى بن معاذ الرازي،عجبت من رجل يقول فى دعائه،اللهم لا تشمت بي الأعداء،ثم هو يشمت بنفسه كل عدو، فقيل له،كيف ذلك،قال يعصى الله ويشمت به في القيامة كل عدو،
قال أحد الصالحين،ركب الله الملائكة من عقل بلا شهوة،
وركب البهائم من شهوة بلا عقل،
وركب ابن آدم من كليهما فمن غلب عقله على شهوته فهو خير من الملائكة،
ومن غلبت شهوته على عقله فهو شر من البهائم،


اللهم اصلح لنا نفوسنا وقنا شرها واغفر لنا بعفوك الجميل،ولا تحرمنا ونحن ندعوك ولا تخيبنا ونحن نرجوك،واصلح لنا قلوبنا واجعلنا من عبادك الصالحين واجعلنا فى ظلك يوم لا ظل الا ظلك.