بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل أعددت زاداً للرحيل
حقيقة الموت،تلك الحقيقة المرّة التي يرحل بها الإنسان من حياة إلى أخرى،ومن دار إلى دار،
ففريق منهم أدرك سرّ الحياة،فآمن بالله ربّاُ وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً،وعلم أن الحياة رحلة ابتلاء، يعبرها المؤمن مسافراً إلى ربه،يرجو زاداً يبلغه إليه سالماً غانماً،
وفريق منهم أدرك تفاهة الحياة،وقصرها،واندثارها،فاتخذها قراراً،ورضي بها منزلاً،ولم يعمل لزاد رحلته حساب،فهو في اضطراب،وعذاب،أنت عابر سبيل،
فرسول الله صلى الله عليه وسلم،يوصيك أن تكون كذلك،ويقول( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )رواه البخاري،
وابن عمر رضي الله عنهما الذي وجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الوصية يقول( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح،وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء،وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك )رواه البخاري،
هكذا خلق الله الحياة،وهكذا أرادها(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ،وَيَبَقَى وَجْهُ رَبِكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ )الرحمن،
دخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته،فقال،يا أبا ذر، أين متاعكم،قال،إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا،قال،إنه لا بد لك من متاع ما دمت هاهنا،قال،إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه،
فتأمل الفقه النبيه إذ قال أبو ذر،إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه، فالمنزل الدنيا،وصاحبها هو الله،وقد قال الله تعالى(إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاع وَإنَّ الآخرةَ هِي دَارُ الْقَرَارِ )غافر ،
وهل يزين عاقل محطة عبور هو يدرك أنه عن قريب سيتركها،
وقول النبي صلى الله عليه وسلم( مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها )رواه الترمذي،وأحمد،
أنت معنيّ بالرحيل على كل حال،أيامك تسوقك إليه،وخطواتك تقبل بك عليه،وأنت في الحياة مجبور على العبور،وخاضع لموت مقدور،
موتك فاصل بين حياة وحياة،وليس هو نهاية المطاف،بل هو نقلة تسير بك إلى عالم جديد،عالم البرزخ بما فيه من هول القبر وسؤاله،وهول البعث وأحواله(أَفَحَسِبْتُمْ أنَّما خَلَقْنَاكُم عَبَثاً وَأنكُمْ إلَينْاَ لا تُرْجَعُونَ )المؤمنون،
قال تعالى( يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاع وَإنَّ الآخِرةَ هَيَ دَارُ الْقَرَارِ )غافر،
لا تغفل فإنك لم تخلق سدى،وإذا رأيت الناس قد سخّروا فطنتهم للدنيا،فاستعمل فطنتك في الآخرة،تفكر في رحيلك،واجعل همك كل همك في معادك،
هي ساعات معدودات،تحملك وتسوقك وتطوي بك مراحل الطريق ،وكلما انقضت ساعة انقضت مرحلة،
فإن أقواماً أنستهم الغفلة زاد الرحل فقال الله لهم عند القدوم عليه( لَقَدْ كُنتَ فيِ غَفْلَةٍ مّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَومَ حَدِيِد ) ق،
قال الفضيل بن عياض لرجل،كم أتت عليك،قال،ستون سنة،قال، فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ،فقال الرجل،إنا لله وإنا إليه راجعون،
فقال الفضيل،أتعرف تفسيره،تقول،أنا لله عبد وإليه راجع،فمن علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف،ومن علم أنه موقوف،فليعلم أنه مسؤول،ومن علم أنه مسؤول،فلعد للسؤال جواباً،
قال تعالى( يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِح إلى رَبِكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ )الانشقاق،
أحسن فيما بقي يغفر الله لك ما مضى،ربك حليم غفور،تواب كريم،يحب التائبين،ويبدل سيئاتهم حسنات،ويعفو عن الخطايا والزلات،
فبادر بتوبة صادقة مع الله،أظهر له فيها عزمك على طاعته، وندمك إلى معصيته،وحبك لدينه،واسأله برحمته فإنه لا أحد أرحم منه،وبإحسانه ونعمه،وبين له ضعف حيلتك،وشدة افتقارك إليه،واعلم مهما كانت ذنوبك،فهو يغفر الذنوب جميعاً،
قال تعالى(قًل يَا عِباديَ الَّذينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا من رّحْمة الله إنَّ الله يَغْفرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ)
قال ابن كثير رحمه الله( ولتَنَظُر نَفْس مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ )أي،حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم،واعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم لا تخفى عليه منكم خافية،
أن خير زادك في الرحيل هو زاد التقوى ( وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى )وهي،اسم جامع لكل ما يحبه ويرضاه من القيام بفرائضه،والتزام أوامره،واجتناب نواهيه،
يقول ابن القيم رحمه الله،إن الغافل عن الاستعداد للقاء ربه والتزود لمعاده بمنزلة النائم بل أسوأ حالاً منه،
فإن العاقل يعلم وعد الله ووعيده،لكن يحجبه عن حقيقة الإدراك ، ويقعده عن الاستدراك وهي غفلته التي رقد فيها فطال رقوده،وانغمس في الشهوات،وإضاعة الأوقات،
فهو في رقاده مع النائمين،فمتى انكشف عن قلبه الغفلة، استجاب فيها لواعظ الله في قلب عبده المؤمن،ورأى سرعة انقضاء الدنيا، فنهض قائلاً( يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فيِ جَنبِ اللهِ )
فاجعل التقوى زادك،واحذر الغفلة فإنها تًنسيك حقيقة سفرك، وتغريك بزخرف الدنيا وتمنيك بالإقامة الزائفة،
اللهم اجعل التقوى زادنا،والجنة مآبنا،وارزقنا شكراً يرضيك عنا ،وزدنا إيماناً ويقيناً وتسليماً وفقهاً،وزدنا ولا تنقصنا،وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا،وآثرنا ولا تؤثر علينا،وارض عنا وأرضنا،نسألك الفوز بالجنة والنجاة من النار،
اللهم آميـــن.
|
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحسيمqtr
