بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعبد الله كاننا نراه
قال تعالى(ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلْبَـٰقِيَـٰتُ ٱلصَّـٰلِحَـٰتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا )الكهف،
قال الامام الشوكاني،الذين كانوا يفتخرون بالمال والغنى والأبناء فأخبرهم سبحانه وتعالى، أن ذلك مما يتزين به في الدنيا لا مما ينفع في الآخرة،
ولـهذا عقب هذه الزينة الدنيوية بقولـه(وَٱلْبَـٰقِيَـٰتُ ٱلصَّـٰلِحَـٰتُ)أي، أعمال الخير،وهي ما كان يفعله فقراء المسلمين من الطاعات،أي،أفضل من هذه الزينة بالمال والبنين ثواباً،وأكثر عائدة ومنفعة لأهلـها(وَخَيْرٌ أَمَلا)أي،أفضل أملاً،يعني،أن هذه الأعمال الصالحة لأهلـها من الأمل أفضل مما يؤمله أهل المال والبنين،لأنهم ينالون بها في الآخرة أفضل مما كان يؤمله هؤلاء الأغنياء في الدنيا، وليس في زينة الدنيا خير حتى تفضل عليها الآخرة،
قال الامام القرطبي، وإنما كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا، لأن في المال جمالاً ونفعاً،
وفي البنين قوّة ودفعاً، فصارا زينة الحياة الدنيا،
فأخبر تعالى أن ما كان من زينة الحياة الدنيا فهو غرور يمر ولا يبقى، كالهشيم حين ذرته الريح،إنما يبقى ما كان من زاد القبر وعُدد الآخرة،
(وَٱلْبَـٰقِيَـٰتُ ٱلصَّـٰلِحَـٰتُ)قال ابن عباس،هي الصلوات الخمس،وأنها كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة،
وقال عُبيد بن عُمير(والباقيات الصالحات)يعني،البنات الصالحات هنّ عند الله لآبائهن خير ثواباً،وخير أملاً في الآخرة لمن أحسن إليهن،
البنات ستر من النار،وثبت في صحيح مسلم،عن عائشة رضي الله عنها قالت،جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها،فسألتني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها فأخذتها فقسَمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئاً،ثم قامت فخرجت وابنتاها، فدخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلّم،فحدّثته حديثَها،فقال النبيّ صلى الله عليه وسلّم(من ابتُلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار)
ففي هذا الحديث،أخبر أن في الصبر عليهن والإحسان إليهن ما يقي من النار،
وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم(من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو)وضم أصابعه، أخرّجهما مسلم رحمه الله،وأبو نعيم الحافظ،
عن أبي وائل عن عبد الله قال،قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم(من كانت له بنت فأدّبها فأحسن أدبها وعلّمها فأحسن تعليمها وأسبغ عليها من نعم الله التي أسبغ عليه كانت له ستراً أو حجاباً من النار)تفسير القرطبي،
ولا يتخذ على كراهية ما و هب الله له من البنات إلا جاهل،وقد ذكر الله سبحانه في كتابه ما يدل على أن البنات هبة من رب العالمين،فقال سبحانه ( يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ)الشورى،
فبدأ بهن،أي،البنات،ولكنهن هبة من الله سبحانه،مثلهن مثل البنين وعلى المسلم أن يشكر الله على هبته وعطائه وربما تكون هذه البنت التي وهبها الله له في برها وعطفها بوالديها أفضل من عشرات الأولاد،
قوله تعالى(ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا)وإنما كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا،لأن في المال جمالاً ونفعاً،
وفي البنين قوة ودفعاً،فصارا زينة الحياة الدنيا،لأن المعنى،المال والبنون زينة هذه الحياة المحتقرة فلا تتبعوها نفوسكم،وكان يقال،لا تعقد قلبك مع المال لأنه فيء ذاهب ،
ويكفي في هذا قول الله تعالى(إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)
أي،إنما أموالكم وأولادكم أي،كل أموالكم وأولادكم فتنة واختبار من الله لكم هل تحسنون التصرف فيهم فلا تعصوا الله لأجلهم لا بترك واجب ولا بفعل ممنوع، أو تسيئون التصرف فيحملكم حبهم على التفريط في طاعة الله أو التقصير في بعضها بترك واجب أو فعل حرام والله عنده أجر عظيم فآثروا ما عند الله على ما عندكم من مال وولد،إن ما عند الله باق، وما عندكم فانٍ ، فآثروا الباقى على الفانى،وأطيعوا الله فيما كلفكم فيها،تنالوا به الجزيل من ثوابه،
وقال تعالى(إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ)
والمراد بهذه العداوة أن الإنسان يلتهي بهم عن العمل الصالح، أو يحملونه على قطيعة الرحم، أو الوقوع في المعصية، فيستجيب لهم بدافع المحبة لهم،
ولهذا قال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)المنافقون،
التغابن،
فالولد يكون عدواً لأبيه، والزوجة تكون عدوة لزوجها إذا تسببا في صرف الرجل عن طاعة الله أو إيقاعه في معصية الله، وهذا أمر معلوم مشاهد، فكثير من الآباء يقصرون في البذل والإحسان بسبب أبنائهم، ومنهم من يدخل بيته المنكرات استجابة لرغبة أهله وأولاده، ولهذا كان على المسلم أن يحذر حتى يسلم،
وأما كون المال والولد فتنة أي اختباراً وابتلاءً فأمر ظاهر، فمن الناس من يكون المال والولد سبباً في صلاحه واستقامته، ومنهم من يطغيه ذلك، ويصرفه عن ربه سبحانه،
وقوله تعالى(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )هذا من إحسان الله تعالى إلى عباده المؤمنين إنه لما علمهم أن أموالهم وأولادهم فتنة وحذرهم أن يؤثروهم على طاعة الله ورسوله علم أن بعض المؤمنين سوف يزهدون في المال والولد ، وأن بعضاً سوف يعانون أتعاباً ومشقة شديدة في التوفيق بين خدمة المصلحتين فأمرهم أن يتقوه في حدود ما يطيقون،
وخير الأمور الوسط فلا يفرط في ولده وماله،ولا يفرط بعبادة الله تعالى،التي خلق لأجلها وعليها مدار نجاته من النار ودخوله الجنة،
اللهم إجعلنا أن نتقي الله في اعمالنا وافعالنا وأن نعبد الله كاننا نراه فإلم نكن نراه فهو يرانا،واجعلنا من التوابين والمتطهرين،وأسألك بخوفنا من عظمتك وطمعنا برحمتك،واسعدنا بتقواك، ولا تجعلنا بمعصيتك غافلين،ورضنا بقضائك،ويسر لنا الحلال واغننا به عن الحرام،
اللهم امين يارب العالمين.
|
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الصدق منجاة
