بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عمى العيون أهون من عمى البصيره
إن من نعم الله عز وجل،العظيمة على العبد أن يرزقه البصيرة، هذه البصيرة التي هي بصر بالشيء،وعلم به وفطنة،وإدراك له ،هذه البصيرة المعرفة،واليقين والبرهان،وهي نور القلب،من فقد حاسة البصر،تلك نعمة لا يعرف قيمتها إلا فاقدها،
أما عمى البصيرة فهو مشكلة لا نراها غالباً،عمى العيون أهون من عمى البصائر،
فإذا قال في الدعاء،اللهم اجعل في قلبي نوراً،فإن هذا النور في القلب هو البصيرة،وهو للقلوب كالضياء للبصر،ونور يقذفه الله تعالى،في قلب العبد فيرزقه بصيرة،
قوله تعالى(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَة)يوسف، البصيرة في الدين التي من عرفها ورزقها وذاقها فإنه يسير في حياته على هدى من ربه،لا تختلط عليه الأمور، ولا تتشابه، يعرف الحق(أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)الملك،
هذه هي البصيرة في صفائها،وفي إنارتها،وفي سلامتها،وفي فائدتها، تبعد عن العبد سوء الفهم،فبعض الناس يسيء الظن بالله(وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)الأحزاب،
وإذا كانت له بصيرة كان ظنه بالله حسناً، ومعرفته بالله طيبة، وكان فهمه للحلال والحرام صحيحاً،
في المقابل من حرم البصيرة،هذا مطموس،الذي أظلم قلبه(وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ)النور،
(مَنْ يُضْلِلْ اللَّه فَلَا هَادِيَ لَهُ)
وبعض الناس لا يرى الحق حقاً،ولا يرى الباطل باطلاً، ولا يرى المعروف معروفاً،ولا يرى المنكر منكراً،لأن بصيرته قد طمست فيرى الحرام حلالاً،والحلال حراماً، والمنكر معروفاً،وهكذا يرى الحق باطلاً والباطل حقاً، قد انعكست فطرته،وانطمست بصيرته،
فتراهم يطعنون في الحق وأهله،لا بصيرة،
والنور الذي يودعه الله في قلوب أوليائه،فيجعلوا هذا النور لهم هادياً يمشون به في الناس، فيعاملونهم بالحق،يجعل الله لهم نوراً في الآخرة،فيبصرون الطريق على الصراط،
والله عز وجل خلق خلقه في ظلمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل،
البصيرة،
البصيرة، أعلى درجات العلم في الدعوة،أن يكون الداعي إلى الله على بصيرة بما يدعو،
هذه البصيرة لها مقومات، تأتي البصيرة بالتدبر والتفكر والتأمل، ونظر القلب يأتي بالبصيرة،وكذلك فإن البصيرة تأتي بالتأني والتريث والتمهل،
لما جاء أعرابي إلى النبي عليه الصلاة والسلام،يشتكي يقول، إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، أنا أبيض وهي بيضاء،قال،وإني أنكرته، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم(هل لك من إبل)وهذا شيء يعرفه الأعراب،قال،نعم،قال(فما ألوانها)قال،حمر،
قال(هل فيها من أورق)الذي فيه سواد،قال،إن فيها لورقاً فعلاً، قال(فأنى ترى ذلك جاءها)قال،يا رسول الله عرق نزعها، قال،(ولعل هذا عرق نزعه)رواه البخاري،ومسلم،
وفعلاً وجد أن لذلك الولد جدة كبيرة كانت أمة سوداء، إذن هذا من البصيرة أن تعرف أسباب الأمور والتحليل والربط، وكذلك التوغل في فهم المراد شيئاً فشيئاً،
فتقول،ما دام نحن اهتدينا ما علينا،قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه،إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول(إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه)رواه الترمذي،
لا تحاسبون على أعمالهم، إذا دعوتموهم وأصروا لا يضركم، عليك البلاغ وعلى الله الحساب، ولا تزر وازرة وزر أخرى، أما أن تقول،ما دمت مهتدياً فما لي وللناس ولا آمر ولا أنهى، ولا أدعو فهذا خطأ في الفهم بلا شك، وكذلك فإن البصيرة تتكون أيضاً بالاختبار والامتحان،
شهد رجل عند عمر رضي الله عنه،فقال له عمر،إني لست أعرفك ولا يضرك أني لا أعرفك،فأتني بمن يعرفك،يزكيك،فقال رجل،أنا أعرفه يا أمير المؤمنين،قال،بأي شيء تعرفه،قال،بالعدالة،عدل ثقة،قال،هو جارك الأدنى تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه،قال،لا،قال،فعاملك بالدرهم والدينار الذي يستدل بهما على الورع،قال،لا،ما باع ولا اشترى معي ولا استأجر،قال،فصاحَبَك في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق،قال،لا،قال،فلست تعرفه،ثم قال للرجل،ائتني بمن يعرفك،
العبادة،تأتي بالبصيرة،بالصلاة،وتلاوة القرآن، والأذكار،والدعاء، وعبادة القلب،وتقوى الله،والخوف منه،ومحبته،ورجاؤه،قال تعالى(يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً)الأنفال،
،الفرقان ،هو البصيرة،تفرق به بين الأشياء، وكذلك العلم النافع والعمل الصالح يأتي بالبصيرة،
(وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ)
أولي الأيدي، يعني،القوة في العبادة،إذا صاموا وصبروا،إذا قاموا الليل،
هؤلاء أولو الأيدي، أصحاب القوة في العبادة،
تأتي البصيرة،بالتضرع والإلحاح إلى الله،أن يكشف لك الأمور،
واستماع القرآن، ورؤية أهل الإيمان، وحضور مجالس الصالحين، ومخالطة أهل العلم، وكثرة سؤالهم واستفتائهم،والتفكر في السماوات والأرض وما خلق الله،كل ذلك من أسباب رزق البصيرة،
أهمية البصيرة، هي نور في القلب يُهتدى به،
وتساعدنا في تمييز الأمور، الآن اختلط الحق بالباطل عند كثير من الناس،
أنواع من العقود، ثم لا يعرف ما هو الحق وما هو الباطل،ما هو الحلال وما هو الحرام، نحتاج إلى صاحب البصيرة،
هناك أشياء تطمس البصيرة، المعصية وخصوصاً النظر في الحرام، قال الله عن قوم لوط(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)الحجر،
فما وقعوا فيه من الفواحش سبب لهم سكرة، جعلهم يعمهون فيها، ضلالة، وعمى طمس،أي،الخمر،
البصيرة تثبت الإنسان(أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ)محمد،
البينة ،إي البصيرة،
البصيرة،تؤدي إلى التوفيق في التصرف،وتضع الأشياء في مواضعها، تؤدي إلى الحكمة،والفراسة،قد لا يكون عندك اطلاع على سيرة فلان وتاريخه،
لكن يمكن بالبصيرة أن تتفرس ما يصلح،أصحاب العقول النيرة يفضِّلون البصيرة على البصَر ويقدمونها عليه، وكانوا يقولون،ليست المصيبة مَن فقدَ بصره، ولكن المصيبة مَن فقدَ بصيرته،وهناك حكمة عظيمة تقول،عمى العيون أهون من عمى البصائر،
البصيرة تجعل المفتي عندما يسأل يجيب على نور من الله،
وأما العمى عن البصيرة، يسقط العبد في البدعة، ويقع في الأخطاء وفي المخالفات،
فكم من رجل أعمى العينين ولكن قلبه مُبصر، فهو بقلبه أهدى العقلاء، وكم من مفتَّح العينَين وبصره فيها حديد، ولكنه أعمى القلب،
سأل ابن أم مكتوم النبي،صلى الله عليه وسلم،قائلاً،أنا في الدنيا أعمى،أفأكون في الآخرة أعمى،فنزلت هذه الآية﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾الحج،
إذًا ليس السعيد من كان مفتَّح العيون،وإنما السعيد مَن كان بصير القلب،
عن أنس،رضي الله عنه،يقول،سمعت رسولَ الله،صلى الله عليه وسلم،يقول(إن الله عز وجل قال،إذا ابتلَيتُ عبدي بحبيبتَيه فصبر، عوَّضتُه منهما الجنَّة)أي،عينيه، رواه البخاري،
اللهم أنر بفضلك نور بصيرتنا،واجعلنا من أهل الأيدي والأبصار،ونسألك نور القرآن أن تقذفه في قلوبنا،ونسألك أن ترينا الحق حقاً وترزقنا اتباعه، وأن ترينا الباطل باطلاً وترزقنا اجتنابه،ونسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وكلمة الحق في الغضب والرضا، القصد في الغنى والفقر، ونسألك نعيماً لا ينفد وقرة عين لا تنقطع,
اللهم آميـن.
|
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحسيمqtr
