النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: إن السخرية لا تنبعث إلا من نفس العجب والكبر

  1. #1
    تميم المجد الصورة الرمزية امـ حمد
    رقم العضوية
    13778
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    الدولة
    قطر
    المشاركات
    20,902

    إن السخرية لا تنبعث إلا من نفس العجب والكبر

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    نهى الله تعالى عباده المؤمنين عن السخرية بالآخرين مهما كانت صفاتهم وأوضاعهم، فلعلَّ مَن يُسخَر منه ويُنظَر إليه نظرة احتقار وازدراء واستخفاف،خيرٌ عند الله وأحبُّ إلى الله من الساخر الَّذي يعتقد الكمال، ويرمي أخاه بالنقص ويعيِّره،وحث الإسلام على الأخوة بين المسلمين،وتأسيس هذه الأخوة على عدة قيم،منها الاحترام المتبادل،وعدم التقليل من الآخرين أو احتقارهم،
    واحتقار المسلمين،إنما ينشأ من الكبر،وقد نهى الله،سبحانه وتعالى،عن الاحتقار،
    قوله،سبحانه وتعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَاب )الحجرات،
    وعن أبي هريرة،رضي الله عنه،أن رسول الله،صلى الله عليه وسلم،قال(بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)الطبري،
    ولا يكون الاحتقار في مجال الدنيا فقط، بل قد يدخل إلى الآخرة، وتقدير عبادات الناس،
    كما قال رسول الله،صلى الله عليه وسلم(قال رجل،والله لا يغفر الله لفلان،فقال الله عز وجل،من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفر لفلان، إني قد غفرت له،وأحبطت عملك)
    مما يؤلم النفس،ويكدر الخاطر،ويحزن الفؤاد، انتشار ظاهرة التحقير والازدراء والترفع على الناس، والنظر إليهم بعين الانتقاض والغمط،
    ولا يتعاطى هذه الأخلاق إلا سقيم القلب، مشوش الفكر، معوج الخاطر، ولو أنصف هؤلاء لعلموا أن نفوسهم أولى بالتحقير والإزدراء والانتقاص ممن يحتقرون، فالعاقل من نظر في عيوب نفسه،وغفل عن عيوب غيره،
    أسباب احتقار الناس،
    الغنى والفقر، فهم يحتقرون الناس لفقرهم وقلة ذات أيديهم، ويشعرون بأنهم قد تميزوا عليهم بالغنى والثراء وكثرة الأموال، ووجود المال ليس فضيلة،بل ربما كان وبالاً على صاحبه،
    كما كان الحال مع قارون الذي كان المال سبباً في هلاكه،
    كما قال تعالى(إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)القصص،
    والنسب، وقد يحتقرون الناس لأنسابهم، والنسب لا ينفع صاحبه يوم القيامة كما قال تعالى(فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ،فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ،وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)المؤمنون،
    فأي شيء نفعت هؤلاء أنسابهم،
    أخرج البخاري،ومسلم،في الصحيحين،عن قيس بن أبي
    حازم،أن عمرو بن العاص،قال،سمعت النبي،صلى الله عليه وسلم، جِهاراً غير سرٍّ يقول(إنّ آلَ أبي طالب ليسوا بأوليائي،إنما وليِّيَ اللهُ وصالحُ المؤمنين)يشير صلى الله عليه وسلم، إلى أن ولايته لا تنال بالنسب،وإن قرب،
    وإنما تنال بالإيمان والعمل،الصالح، فمن كان أكمل إيماناً فهو أعظم ولاية له،سواء كان له منه نسب قريب،
    يقول بعضهم، لعمرك ما الإنسان إلا بدينه،،،فلا تترك التقوى تكالاً على النسب،
    وقال عليه الصلاة والسلام(ومن بطأ به عمله،لم يسرع به نسبه)
    صحيح مسلم،
    معناه،ينبغي، ألَّا يتكل على شرف النسب،وفضيلة الآباء،ويقصر في العمل،
    اللون واللغة، وقد يحتقرون الناس لألوانهم ولغاتهم،وهذا الاختلاف ليس لهم فيه يد ولا فضل، وإنما هو دليل على قدرة الله تعالى،كما قال سبحانه(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)الحجرات،
    فالتفاضل بالتقوى والعمل الصالح لا بالألوان والأجناس واللغات وغيرها،
    المكانة والشهرة، وقد يحتقرون الناس لتفضلهم عليهم في المكانة الاجتماعية، والمناصب الرفيعة، والشهرة والقوة، وهذه الأمور لا تنفع صاحبها،إلا إذا سخرها في نصرة الحق وإقامة العدل، والأخذ على يد الظالم،
    أما إذا سخّر في الظلم والبطش والغدر،والانتقام وأكل أموال الناس بالباطل،فإنها تورده موارد الهلكة والخسران،
    ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم(ألا أخبركم بأهل الجنة، كل ضعيف مستضعف، لو أقسم على الله لأبره،
    ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر)رواه البخاري،ومسلم،
    ولعل هذا المستهتزأ به أفضل،
    عند الله تعالى،من هؤلاء المستهزئين جميعهم،
    كما قال النبي صلى الله عليه وسلم(رب أشعث مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره)صحيح مسلم،
    وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم،أمته إلى عدم الاغترار بالمظاهر الخداعة،
    ففي حديث سهل الساعدي رضي الله عنه قال،مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم ،فقال لرجل عنده جالس،ما رأيك في هذا،فقال،رجل من أشراف الناس،
    هذا والله حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع،فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم،ثم مر رجل آخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(ما رأيك في هذا)فقال،يا رسول الله،هذا رجلٌ من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب ألا ينكح، وإن شفع ألا يشفع، وإن قال ألا يسمع لقوله، فقال صلى الله عليه وسلم(هذا خير من مثل الأرض مثل هذا)صحيح البخاري،
    ومن العجيب أن بعض أهل النقص والسفاهة، يحقر الكاملين علماً وديانة، وماذاك إلا لأنهم ليسوا على شاكلتهم في الحياة، وهؤلاء
    يذكرون المرء،بقوله تعالى(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ)المطففين،
    والأعجب من ذلك أن بعض المتعلمين ممن أوتوا حظاً من العلم يحقرون غيرهم من غير المتعلمين، ويكلمونهم بأنوفهم، وينظرون إليهم نظرة تأخر واستعلاء،وهذا يدل على أن نية هؤلاء في طلب العلم مدخولة، لأنهم لو أخلصوا في طلبه، لأورثهم ذلك تواضعاً وخشوعاً وانكساراً وخفض جناح المؤمنين،
    إلى متى يحقر بعضنا بعضاً، ويسخر بعضنا من بعض،
    قال ابن كثير رحمه الله، نهى تعالى عن السخرية بالناس وهو احتقارهم والاستهزاء بهم،
    والمراد من ذلك،احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدراً عند الله تعالى،وأحب إليه،
    إلى متى يحقر أحدنا أخاه وينتقضه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول(المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله ولا يحقره التقوى
    هاهنا،التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه
    وماله،إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)أخرجهما البخاري،ومسلم في صحيحهما،
    إن السخرية لا تنبعث إلا من نفس العجب والكبر، فهو يعمل على إيذاء من حوله بدافع الشعور بالفوقية المتغلغلة في أعماقه،
    لقد استهان إبليس بآدم وسخر منه قائلاً(أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ)ص،فباء بالخسارة والخذلان،
    وقال عن قوم(فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ)المؤمنون،
    ويستفاد من هذه الآية، التحذير من السخرية والاستهزاء بالضعفاء والمساكين والاحتقار لهم،والإزراء عليهم والاشتغال بهم فيما لا يغنى، وأن ذلك مبعد منالله،عز وجل،
    وقال القرطبي، السخرية الاستحقار والاستهانة والتنبيه على العيوب والنقائص بوجه يضحك منه،وقد تكون بالمحاكاة بالفعل والقول أو الإشارة، أو الضحك على كلام المسخور منه، إذا تخبط فيه أو غلط،أو قبح صورته،
    وقال البعض، هو ذكر الشخص بما يكره على وجه مضحك،واحتقاره قولاً وفعلاً،ولا يحتقر بعض المؤمنين بعضاً،
    وما روي عن عائشة أنها كانت تسخر من زينب بنت خزيمة الهلالية وكانت قصيرة فنزلت،قوله،عز وجل(عَسَى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مّنْهُمْ)عسى أن يكون المسخور منهم خيراً عند الله تعالى، من الساخرين،المعنى لا يحتقر بعض بعضاً عسى أن يصير المحتقر ذليلاً فينتقم منه،
    إن المجتمع الفاضل الذي يقيمه الإسلام بهدى القرآن، مجتمع له أدب رفيع، ولكل فرد فيه كرامته التي لا تمس،ولمز أي فرد هو لمز لذات النفس،لها كرامتها،
    والقرآن في هذه الآية يقول للمؤمنين(يا أيها الذين آمنوا)وينهاهم أن يسخر قوم بقوم، أي رجال برجال، فلعلهم خير منهم عند الله،
    أو أن يسخر نساء من نساء فلعلهن خير منهن في ميزان الله،
    وقد يسخر الرجل الغني من الرجل الفقير،والرجل القوي من الرجل الضعيف، والرجل السوي الذكي الماهر من الساذج الخام. وقد يسخر ذو الأولاد من العقيم،
    وقد تسخر الجميلة من القبيحة،والغنية من الفقيرة،ولكن هذه وأمثالها من قيم الأرض ليست هي المقياس،فميزان الله يرفع ويخفض بغير هذه الموازين،والميزان عند الله التقوى،
    وروى مسلم عن أبي هريرة،رضي الله عنه،قال،قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم(إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)
    إن سخرية الإنسان من أخيه الإنسان معول فعَّال يسعى حثيثاً في تهديم العلاقات الإنسانية، وتمزيق الأُخوَّة الإيمانيَّة شرَّ مُمزَّق، حيث يستعلي المرء بماله،أو حسبه،أو جاهه مفاخرة ومباهاة وتحقيراً للآخرين،
    إنه يجب على المسلم أن يحفظ لسانه عن الخوض في أعراض الناس،ومن إظهار الشماتة والاستهزاء والسخرية،ويحفظ لسانه من الغيبة و النميمة،عن الناس،
    لقول النبي،صلى الله عليه وسلم،في حديث أبى موسى،رضي الله عنه،أنه سأل رسول الله،صلى الله عليه وسلم،قال،قلت،يا رسول الله أي المسلمين أفضل،قال(من سلِم المسلمون من لسانه ويده) صحيح البخاري،ومسلم،
    وفى حديث آخر قال رسول الله،صلى الله عليه وسلم(إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزلُ بها إلى النار أبعد مابين المشرق والمغرب)صحيح البخاري،ومسلم،
    إياك،من الغيبة والنميمة، وإظهار الشماتة والاستهزاء والسخرية بالناس،واتق الله في نفسك،واحفظ لسانك من اللغو والقيل والقال وأكل لحوم الناس بالباطل والاستهزاء والسخرية بخلق الله،
    فالله سبحانه خلق الخلق وصورهم وأحسن صورهم فعندما تسخر من شخص ما فإنك تنتقص من قدر الله،عز وجل،
    فيا أيها المتفاخرون المحتقرون،أين أنتم من هذا المنهاج الرباني القائم على العدل والقسطاس المستتقيم،
    تسليط الجبَّارين على المحتقرين، ذلك أنه مضت سنة الحق سبحانه أنه كما يدين المرء يُدان، وعليه فإن المحتقرين للضعفاء والفقراء يبتليهم الله بمن هو أقوى منهم يستذلونهم، ويسومونهم سوء العذاب، من باب وجزاء سيئة سيئة مثلها،
    ذلك أن المحتقَرين المقهورين لا يجدون ملاذاً ولا مأويً إلا الله، فتراهم بالليل والنهار يستغيثون الله، ويستصرخونه الانتقام ممن احتقروهم، وآذوهم،وهؤلاء لكونهم مظلومين، منقطعين يجيب الله دعاءهم،لحديث(وإياك ودعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)
    وعدم مراقبة الله والغفلة عن اليوم الآخر، ذلك أن عدم مراقبة الله والغفلة عن اليوم الآخر وما قد يكون فيه من شدائد وأهوال قد تقود جميعاً إلى احتقار الآخرين والنيل منهم، والعدوان عليهم.


    اللهم إنا نعوذ بك من الكبر،والفسوق والعصيان، ونعوذ بك من الهوى والطغيان، ونسألك الخشية والإنابة والخضوع بين يديك، وارزقنا التواضع والسكينة، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، واجعلنا من الراشدين،
    اللهم آميـــن.

  2. #2
    تميم المجد الصورة الرمزية الحسيمqtr
    رقم العضوية
    9845
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    الدولة
    مدينة الشمال
    المشاركات
    1,459
    جزاكِ الله جنة الفردوس

  3. #3
    تميم المجد الصورة الرمزية امـ حمد
    رقم العضوية
    13778
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    الدولة
    قطر
    المشاركات
    20,902
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحسيمqtr مشاهدة المشاركة
    جزاكِ الله جنة الفردوس
    بارك الله فيك وفي ميزان حسناتك اخوي الحسيم
    وجزاك ربي جنة الفردوس

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •