بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشتكت النار إلى ربها
في الصحيحين،البخاري،ومسلم،من حديث أبي هريرة،رضي الله عنه،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(اشتكت النار إلى ربها فقالت رب أكل بعضي بعضا،فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء،ونفس في الصيف،فأشد ما تجدون من الحر،وأشد ما تجدون من الزمهرير)
وفي رواية للبخاري، فأشد ما تجدون من الحر فمن سمومها،وأشد ما تجدون من البرد فمن زمهريرها،
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله،وفي هذا الحديث،دليل على أن الجمادات لها إحساس لقوله(اشتكت النار إلى ربها فقالت،يا رب أكل بعضي بعضاً)من شدة الحر،وشدة البرد,
فأذن الله لها أن تتنفس في الشتاء،وتتنفس في الصيف,
تتنفس في الصيف،ليخف عليها الحرَّ,
وفي الشتاء،ليخفَّ عليها البرد ,
وعلى هذا فأشد ما نجد من الحرِّ، يكون من فيح جهنم ,
وأشد ما يكون من الزمهرير، من زمهرير جهنم،
وهو أن يكون الحرُّ الشديد، الذي سببه أن الشمس تكون على الرؤوس أيضاً يُؤذن للنار أن تتنفس فيزدادُ حرُّ الشمس,
وكذلك بالنسبة للبرد، الشمس تميل إلى الجنوب , ويكون الجوُّ بارداً بسبب بُعدها عن مُسامتة الرؤوس,
ولا مانع من أنّ الله تعالى،يأذن للنار بأن يَخرج منها شيءٌ من الزمهرير ليبرِّد الجو،
فيجتمع في هذا،
السبب الشرعي المُدرَك بالوحي,
والسبب الحسِّي،المُدرَك بالحسِّ،
ونظير هذا،الكسوف،والخسوف,
سبب خسوف القمر،حيلولة الأرض بينه،وبين الشمس,
أما الكسوف فسببه، حيلولة القمر بين الشمس،والأرض,
جهنم أعاذنا الله والمسلمين منها فإنها شديدة الحرارة، ظلها يحموم، وهبوبها سموم،
كما في قوله تعالى(وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ)الواقعة،
والسموم، الهواء الحار،
والحميم، الماء الحار،
والظل اليحموم، هو ظل الدخان، وهو حار أيضاً،
فاجتمع عليهم حرارة الهواء وحرارة الماء،وحرارة الدخان،أجارنا الله منها بعفوه ورحمته،
ومن المنن التي يعددها أهل الجنة لربهم عليهم أنه أبعد عنهم حرارة الهواء،
إذا يقولون(فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)الطور،
قال الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى، النفس المذكور ينشأ عنه أشد الحر في الصيف،
معاناة الصحابة من شدة الحر،
كان الصحابة رضي الله عنهم يتأذون من شدة الحر في صلاة الظهر، خاصة حرارة الأرض وهم يسجدون عليها ،
حتى قال أنس رضي الله عنه، كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه،
وفي لفظ لأبي عوانة، كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،سجدنا على ثيابنا مخافة الحر،
ولذا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإبراد في الظهر،
أي، تأخير صلاة الظهر إلى آخر وقتها في شدة الحر،
قال عليه الصلاة والسلام(إذا اشتد الحر فأدبروا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم)
قال الزرقاني، أي ،من سعة انتشارها وتنفسها، ومنه مكان متسع، وهذا كناية عن شدة استعارتها،
شدة الحر في الدنيا تذكر الموقف العظيم يوم القيامة، كما تذكر نار جهنم،
وكلما اشتد الحر في الدنيا كان ذلك أدعى للتفكر والتذكر، وعدم نسيان حر القيامة، وحر نار جهنم،
ونبينا وحبيبنا،محمد صلى الله عليه وسلم،قد ذكر لنا أن الشمس تكون قريبة من رؤوس العباد في عرصات القيامة مما يجعل كرب العباد شديداً، فيطلبون الخلاص بالفصل والقضاء ليذهب كل واحد منهم إلى سبيله،إما إلى جنة،وإما إلى النار، قال عليه الصلاة والسلام(تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم ما يكون إلى حقوبه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً وأشار النبي صلى الله عليه وسلم، بيده إلى فيه) رواه مسلم،
وأشد من ذلك وأعظم،
نار جهنم من دخلها من الكفار والمشركين،لا يقضى عليه فيموت، ولا يخفف عنه من عذابها،كلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب،
إنها نار عظيمة ليست نار الدنيا على شدة حرها واستعارها،وعظيم لهبها وشررها إلا جزءاً يسيراً منها،
كما قال النبي صلى الله عليه والسلام(ناركم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم،قيل،يا رسول الله، إن كانت لكافية،قال،فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها)حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ،رواه مالك والبخاري،
قال القرطبي رحمه الله، يعني ،أنه لو جمع كل ما في الوجود من النار التي يوقدها بنو آدم لكانت جزءاً من أجزاء جهنم المذكورة،وأنه لو جمع طلب الدنيا فوقد كله حتى صار ناراً، لكان الجزء الواحد من أجزاء نار جهنم الذي هو من سبعين جزءاً أشد من حر الدنيا كما بينه آخر الحديث،
ولا يجوز سب الحر أو سب الصيف، فالحر قدر من أقدار الله تعالى، ولا يجوز أن نسخط على قدر الله تعالى، وكذلك إن الصيف زمان من الأزمنة التي خلقها الله تعالى، ولا يجوز سبه فإن سب الصيف سب لخالقه،
فعن أَبِي هريرةَ رضِي اللَّهُ عنه،قَال، قَالَ رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسلَّم(قَال اللَّهُ عَز وجل، يؤْذِيني ابن آدم يسب الدهر،وأَنا الدهر بِيدي الْأَمر أُقَلِّب اللَّيل وَالنهار)رواه البخاري، ومسلم،
اللهم آجرنا من حر الدنيا ونار جهنم ،وأن يظلنا تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله،
اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى،
اللهم امين.