بقلم : محمد بن أحمد بن جاسم آل ثاني
الحصار علمنا درساً للسنوات القادمة لنكون أقوياء متحدين
اسم قطر انتشر في كل مكان وأصبحت دولة عالمية يحترمها الجميع
المملكة معرضة لانهيار مماثل للاتحاد السوفييتي إذا انخفضت أسعار النفط
واحد من كل ٥ أشخاص في السعودية عند حد الفقر أي أن ٢٠٪ من سكانها فقراء
دبي ستدفع ثمناً باهظاً لمنعها القطريين من الوصول لأملاكهم
أبوظبي تفوح منها ديكتاتورية جديدة فلا رأي ولا رأي آخر على الإطلاق
صباح العاشر من رمضان عندما تلقيت أول مكالمة هاتفية من صديق لي يخبرني مستغربا بقرار الحصار،
لزمت الصمت وهو يحدثني لأن ذاكرتي توجهت لسؤال وجهه لي رئيس شركة تشوبو اليابانية خلال شهر أكتوبر من عام 1990.
ذلك الْيَوْمَ يعتبر تاريخيا بالنسبة لدولة قطر حيث عملنا جاهدين منذ عام
١٩٨٥ لبيع الغاز القطري للعالم ولم نسمع إلا الاعتذارات وتحول السوق والأسعار ضدنا.
جاءت الفرصة الأولى لعرض مشروع قطر للغاز على مشترٍ كبير في ذلك العام،
فأعددنا كل ما هو ممكن ليظهر المشروع بأجمل حلة ممكنة.
كنّا كالعروس التي ترجو خطبتها لعقد قران طويل الأمد،
وكان لي الحظ للتقديم، ودارت الأسئلة حول أمن المنطقة ومضيق هرمز وإيران والعراق.
كنّا مستعدين للأسئلة المتوقعة ولكن مع قرب نهاية التقديم طلب رئيس المجلس أن يتقدم بسؤال
وعندما أنصت الجميع قال لي :"أنتم دولة صغيرة وإذا ما اشترينا منكم الغاز ستصبحون دولة غنية
وهذا مقلق لنا فقد يغار منكم جيرانكم الكبار وتصبحون ضحية لنجاحكم فكيف ستحمون أنفسكم من هذه الحالة؟"
حاولت ومن معي الإجابة بدبلوماسية ولكنه لم يظهر الرضا على إجاباتنا وسارت الأمور بسلام
لتدخل قطر أسواق العالم بنجاح وتصبح أكبر مصدر للغاز المسال بالعالم.
ذالك السؤال بقى معي دائما يدور بذهني كلما جاء تهديد خارجي للمنطقة وهل سنصل في يوم لهذه الحالة؟
ان صباح يوم الحصار هو تلك الحالة ولكن من حيث لم نحتسب من الأقرباء.
لقد كسوا قرارهم بالغيرة والحسد والكيد ضد نجاح قطر وجاهلين بتسيير الدول والشعوب عندما تخفى عليهم الصورة الكاملة للأولويات واستصغار الأخرين!.
"يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً"
لقد انقسمت الدول العربية عبر الزمن الى قسمين، القسم الأول مليء بالنزاعات أو الحروب وسوء الأداء الاقتصادي وكان مجيء الربيع العربي أمرا لا مرد منه.
وآخر هو مجموعة دول الخليج العربي المتجانسة بكل شيء والمترابطة أسريا وتاريخيا والتي جارت بعضها لتبقى مزدهرة بعض الشيء
وتحافظ على استقرارها وأمنها وتربت أجيالها على ان العدو سيكون من خارج هذا البيت واستطاعت أن تكون ملاذاً للاستثمار والتطور المقبول،
ولكن ظهرت في السنوات الأخيرة تفاوتات كبيرة في مستويات دخل الفرد ومتانة اقتصاد كل دولة والتطور التعليمي والفكري والاجتماعي والصحي بين دولة وأخرى.
فلو نظرنا لواقع دول الحصار،
فالسعودية مثلا لديها ما يكفيها من المشاكل الداخلية والأرقام المنشورة تؤكد ذالك،
حيث إن ٧٠٪ من سكانها تحت عمر ٣٠ سنة وتصل البطالة فيها إذا ما شملنا النساء لحوالي ٣٥٪ أو أكثر ويوجد بين كل ٥ أشخاص شخص واحد عند حد الفقر أي أن ٢٠٪ من سكانها فقراء، كما تعاني منذ زمن من الإرهاب الداخلي وهو ما ولدته الكليات الدينية المساء استغلالها وتوجيهها ولا تمثل الكليات العلمية إلا جزءا بسيطا من التعليم الكلي.
يضاف الى ذلك عجز السعودية مؤخرا رفع أسعار النفط بعد ان مارست سنوات تخبط لتخفيض الأسعار لإخراج منتجي البترول والغاز الصخري ففشلت وتحولت الآن مع رفع الأسعار عن طريق خفض الإنتاج لتكتشف فشلها الآخر، وبذلك تفقد مكانتها كمنتج مرن، بينما ينمو استهلاكها المحلي بشكل مطرد مما سيقلل من صادراتها النفطية على المدى البعيد،
لقد أصبحت عرضة لخطر كبير مماثل لانهيار الاتحاد السوفييتي إذا ما وقع انهيار مفاجئ لأسعار النفط. يضاف الى كل ذلك حرب اليمن التي دخلت عامها الثالث دون نصر أو مخرج مقبول وقد تبقى السعودية تحت استنزاف مستمر على حدودها مع اليمن لفترة طويلة. المؤسف تاريخياً أن السعودية لم تعاد قطر لهذا الحد إلا هذه المرة وذلك للتقارب المذهبي والعائلي بينهما.
أما الإمارات فهي بلد منقسم داخليا بين أبو ظبي وما يدعون بعاصمة الاقتصاد دبي، أبوظبي تفوح منها ديكتاتورية جديدة،
فلا رأي ولا رأي آخر على الاطلاق، وأقبحها قرار التعاطف مع قطر مثلا، الذي أصبح قانونا نافذا في ليلة دون مؤسسات تعتمده وكأنها حكومة قرقوش!
لقد اعتمدت أبوظبي على سفيرها في واشنطن لمكيدة قطر ،
الذي اعتقد أن لديه غطاء أمريكيا كان مهلهلا من البداية وسنري لهم فضائح أكبر مستقبلا تخص هذه القضية.
لقد راهنوا وأقنعوا شركاءهم بأن محاصرة قطر لن تدوم إلا أسبوعا ويقلبون الحكم فيها مثلما جاءوا بالسيسي على جثث المصريين وهذه حقيقة مؤكدة لما تداولوه عندهم وأسجلها هنا ليعلم الجميع بسوء نيتهم.
كما اعتقدوا أن لعب دور خدمة مصالح آخرين سيعطيهم الغطاء الكافي للتجني وإسكات قطر وسلب سيادتها.
انهم إن لم يحسّنوا التصرف بما هم فيه واستخدموه لسحق حريات وحقوق الشعوب وتدليس الحقائق فستثير عليهم
كراهية مدمرة وفقدان لمصداقيتهم خاصة من الدول الكبرى وتعجل في زعزعة المنطقة لما لا رجعة فيه، فهذا عبث لا يمارسه إلا السفهاء.
أما دبي فهي تموت يوميا خاصة بعد ضمان أبوظبي لجزء من ديونها لتتحكم بقرارها، فقد خسرت الوهم الذي باعته للعالم،
خسرت وهم العاصمة الاقتصادية ووهم الاستقرار ووهم الحياة الرغدة ووهم الملكية الفردية.
ولذلك فإن العرف والأخلاق يحرمان استغلال استثمارات القطريين مثلا لأغراض سياسية وأنها بتصرفها الحالي
ومنعها القطريين من الوصول لأملاكهم لهي جريمة اقتصادية كبرى يعرضها لقضايا عالمية وستدفع ثمنا باهظا لذلك، كذلك تعاني من تراكم مديونياتها،
وإذا ما استمرت هذه الأزمة بتوتير المنطقة وتدني مداخيلها فإن قدرتها على السداد سيصبح مشكوكا فيها لتهوي لمستقبل مجهول.
أما الإمارات الأخرى فليس في حسابات أبوظبي سوى دفع مصاريفها البسيطة وإلزامها الصمت والطاعة.
أما البحرين فقد أضرت بنفسها لتصبح بدون أساسيات أيديولوجية أو اقتصادية أو سيادية خاصة بعد الاضطرابات الداخلية
وفشل احتوائها بطرق ذكية فخسرت السيادة وخسرت أول مركز للمال يؤسس في دول الخليج
ودمرت السياحة لديها فلم يبق لها إلا التهويل الإعلامي والاستعاشة من المساعدات المقررة لها.
خلال منتصف عام ١٩٩٦ ولدت قطر من جديد لتتعرض مباشرة لمحاولة انقلابية خطرة وفاشلة وعلنية
من نفس دول الحصار وعلى الرغم من صعوبة الأوضاع أنذاك وهبوط أسعار النفط لمستويات قياسية
خاصة في عام ١٩٩٩ إلا أن قطر بقائدها الغيور على بلده والقارئ لمستقبل المنطقة سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة يحفظه الله
الذي استنتج افتقار قطر أنذاك للرؤية السياسية والاقتصادية والحاجة للنهوض بشباب الوطن
عن طريق تطوير التعليم وتمكين التغيرات الاجتماعية خاصة دور المرأة في المجتمع ودخولها للعمل
مما خلق فرصا كبيرة بعد فتح الاقتصاد وانتشار سيادة القانون بشكل أوسع فأصبح المجتمع متضامنا
ليتضاعف الدخل القومي للدولة كل ثلاث إلى خمس سنوات ومع انتشار قناة الجزيرة والخطوط القطرية
والاستثمارات العالمية ووصول الإغاثات القطرية لشتى أرجاء العالم والوساطات بين الدول ونمو الأنشطة الرياضية
التي تجمع ولا تفرق وصولا لتنظيم كأس العالم، انتشر اسم قطر في كل مكان وأصبحت قطر دولة عالمية يحترمها الجميع
ليأتي تميم المجد مكملا لهذه الرؤية، وللعلم مثلا فعند التقديم المذكور آنفا لشركة تشوبو
ولتقريب تعريفهم بدولة قطر انذاك فقد قامت إحدى الشركات اليابانية المساهمة معنا بفصل جزء من خريطة اليابان
لمقاطعة يابانية معروفة وقريبة في الشكل من خريطة قطر لتعرفهم بهيئة وشكل قطر.
لقد أمنت قطر محيطها الجغرافي على أن جيرانها سينخرطون بنفس المنهج الذي سارت عليه مما سيحدث تحولات إيجابية
حقيقية لا وهمية لاستقرار المنطقة ولم تركز على المصاريف العسكرية وبناء الجيوش لحماية نفسها من إخوانها.
ولكن وللأسف أصبح نجاح قطر وما تؤمن به في منهجها التقدمي لمواجهة حقائق المستقبل يهز فرائص دول الحصار،
وبدلا من التحول الإيجابي لديهم فإنهم يتمنون سلب قطر سيادتها وإرجاعها للجمود وإرساء الظلم.
لقد قالها سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد حفظه الله بكلمته التاريخية التي اعتبرها دستورا لبلدنا:
إن من يمتحن بمثل هذا الامتحان ويصبر على هذا الظلم على وطننا وقيادتنا وشعبنا لهو إن شاء الله من الفائزين.
وللحقيقة فان هذا الحصار علمنا وسيعلمنا أشياء لن يعرفها إلا من عاشها وهو درس للسنوات القادمة
لنكون أقوياء متحدين خاصة أنه أظهر المعدن الطيب لأهل قطر نساء ورجالا كبارا وصغارا لنرى نصرة تقشعر منها الأبدان على جميع الاصعدة.
لقد بين لنا نقاط الضعف والقوة وبين أننا مكملون لبَعضُنَا البعض.
إن الأمم الناجحة هي التي تمر بتحولات مؤلمة أحيانا ولكن تحولها لفرص كبيرة لتقفز منها للأعلى.
لقد تأثرت كثيرا برؤية شباب هذا الجيل وكيف حولته مؤسسات التعليم لدينا بقيادة سمو الشيخة موزا
ورعاية سمو الأمير الشيخ تميم حفظهما الله ليكونوا جنودا مدافعين بأسلوب راق عن وطنهم في جميع الأصعدة وبلغات العالم
وعليه فسيفشل المحاصرون وسيحتاجون لما يحفظ ماء وجوههم إن طال الزمن أو قصر.
ولكنهم زعزعوا أمن المنطقة بهذا العبث وهزوا مصداقيته بعد مائة عام
من الاستقرار أمام دول العالم وكذبوا ودلسوا وقدموا خدمة لأعداء المنطقة
وأضروا باقتصاداته وشككوا العالم باستمراريتهم كقادة لدولهم ليكشفوا هشاشة مكانتهم ودمروا مجلس التعاون
وسلبوا ظلما حقوق الأفراد الأسرية وصلة الأرحام وحرموا الناس من ملكياتهم الفردية وتعليمهم.
إن عبثهم بالتمادي بإطالة هذه القضية إنما هو ضرر يتفاقم يوميا ليصل لمرحلة خطرة إذا لم يحل قريبا
لتخرج هذه المغامرة العابثة من بين أيديهم وتكون قطر على أي حال هي الفائز الأكبر بإذن الله.
حفظ الله أمير مجد قطر وشعبها الوفي
|
رد مع اقتباس
