النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: أول مقامات ألإحسان

  1. #1
    تميم المجد الصورة الرمزية امـ حمد
    رقم العضوية
    13778
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    الدولة
    قطر
    المشاركات
    20,902

    أول مقامات ألإحسان




    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بادِروا،إلى ما يحبُّه مولاكم ويرضاه، فكلُّ امرئٍ موقوفٌ على ما اقترفَه وجناه( يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاه)النبأ،
    الإحسان، كلمةٌ عظيمةٌ تتضمَّن معاني واسعة تدور حول صلاح الإنسان وفلاحه في معاشه ومعاده، ونفسه وأهله ومُجتمعه، وفي كل ما حوله،كلمةٌ تدخلُ في الدين والعبادة، والقول والعمل، والخُلُق والمظهر والسلوك،لها مدارُها في التعامُل والتعايُش، ولها آثارُها في رأبِ الصدع، وتضميد الجراح، وغسلِ الأسَى، وزرعِ التصافِي، والدفع إلى التسامِي صُعُدًا في مكارم الأخلاق،
    كلمة إليها ترجع أُصولُ الآداب وفروعُها، وحُسنُ المُعاشرة وطرائِقُها،هي غايةُ الغايات، ومحطُّ نظر ذوي الهِمَم العاليات،
    هذه الكلمة العظيمة يوضحها ويجليها حديثان صحيحان عن نبيِّنا محمد،صلى الله عليه وسلم،
    أما الحديث الأول، فقد سأل عن هذه الكلمة جبريل،عليه السلام،النبي،صلى الله عليه وسلم،حين قال له،أخبِرني عن الإحسان،
    قال،الإحسان(أن تعبُدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)
    وأما الحديثُ الثاني، فحديثُ أبي يعلَى شدَّاد بن أوسٍ،رضي الله عنه،قال،قال رسول الله،صلى الله عليه وسلم(إن الله كتبَ الإحسانَ على كل شيءٍ،فإذا قتلتُم فأحسِنوا القِتلَة، وإذا ذبحتم فأحسِنوا الذِّبحة، وليُحِدَّ أحدُكم شفرَته، وليُرِح ذبيحتَه)
    أخرج الحديثين،الإمام مسلم في صحيحه،

    الإحسانُ مُشتق من الحُسن،وهو نهايةُ الإخلاص، والإخلاصُ على أكمل وجوهه من الإتقان والإحكام والجمال في الظاهر والباطن،
    والإحسانُ في العبادة، أن تعبُد الله كأنك تراه،فهو قيامٌ بوظائف العبودية مع شهودك إياه(فإن لم تكن تراه فإنه يراكَ)أي،فتكون قائمًا بوظائف العبودية مع شهوده إياك،
    إنه مُراقبةُ العبد ربَّه في جميع تصرُّفاته القولية والعملية والقلبية، علمُ القلب بقُرب الربِّ، فهو من أعلى مقامات التعامُل مع الله،

    الإحسانُ مطلوبٌ في شأن المُكلَّف كلِّه، في إسلامه، وإيمانه، وفي عباداته، ومُعاملاته، وفي نفسه، ومع غيره، وفي بدنه، وفي ماله، وفي جاهِه، وفي علمِه وعمله،
    وأولُ مقامات الإحسان،الإحسانُ في حقِّ الله،عز وجل،وهو الإحسانُ في توحيده(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)محمد،
    فيوحد المسلم ربَّه على الشهود والعِيان كما عبده بالدليل والبُرهان،

    ومن الإحسان في التوحيد، الرضا بمقادِر الله، فيُظهِرُ الرضا والقبول في المنع والعطاء(عجبًا لأمر المُؤمن وأمرُه كلُّه خير،إن أصابَته سرَّاء شكرَ فكان خيرًا له، وإن أصابَته ضرَّاء صبرَ فكان خيرًا له، ولا يكونُ ذلك إلا للمؤمن)رواه مسلم،
    ومن الإحسان في توحيده، فهمُ العلاقة بين السببِ والمُسبِّب(وإذا سألتَ فاسأل اللهَ)فيتوجَّه العبدُ بقلبه لربه ربِّ الأرباب ومُسبِّب الأسباب طالبًا منه، مُعتمِدًا عليه، راضيًا عنه،
    ومن الإحسان، تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله،صلى الله عليه وسلم،في صدق محبَّته، ولزوم طاعته، وحُسن مُتابعته،وعدم مُجاوزة شرعه(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)آل عمران،
    ومن الإحسان، إحسانُ العبد في عبادته ربَّه،
    والعبادة، اسمٌ جامعٌ لكل ما يُحبُّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وإحسان العبادة،والإخلاص، والخشوع، وفراغُ البال، ومُراقبة المعبود،
    فللصلاة طهورُها، وآدابُها، وسُننها، وسكينتُها، وقُنوتُها، وطُمأنينتُها حتى تقول لصاحبها(حفِظَك الله كما حفِظتَني)
    والإحسانُ في الزكاة والإنفاق،أن يُخرِج من طيِّب ماله بطِيبٍ من نفسه من غير منٍّ ولا أذًى، شاكرًا لربه فضلَه،إذ جعلَ يدَه هي اليدَ العُليا،
    والإحسانُ في الصيام، الصومُ إيمانًا واحتسابًا، يدَعُ الصائمُ طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجل ربِّه ومولاه، ولخلوف فمِ الصائم أطيبُ عند الله من ريحِ المِسك،
    والإحسانُ في الحج، أن يُهِلَّ الحاجُّ بالتوحيد، مُتمِّمًا الحجَّ والعُمرةَ لله، مُجتنِبًا الرَّفَثَ والفسوقَ والجِدال(فمن حجَّ ولم يرفُث ولم يفسُق خرجَ من ذنوبه كيوم ولدَتْه أمُّه)
    والإحسان للوالِدان،(وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا،وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)الإسراء،
    ويتبَعُ الإحسانَ إلى الوالدَيْن، الإحسان إلى الرحم وذوي القربى،بالبرِّ والصلة واللُّطفِ في القول والعمل
    (وليس الواصِلُ بالمُكافِئ ولكنَّ الواصِلَ من إذا قطعَت رحِمُه وصلَها)صحيح البخاري،

    ومن الإحسان،الإحسانُ إلى اليتامى والمساكين والضُّعفاء وأصحابِ الحاجات الخاصَّة،قولٌ ليِّن، وإنفاقٌ من غير منٍّ، ومُعاملةٌ من غير عُنف،ورفعُ مُعاناتهم، وعدمُ التعالِي عليهم، والحَذَرُ من إشعارهم بما ابتُلوا به(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ،وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ)الضحى،
    (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا،إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)الإنسان،
    وممن يتعيَّنُ الإحسانُ إليهم: الغُرباءُ وأبناءُ السبيل والوافِدون، فهم لا يعرِفون الأعرافَ الجارية ولا العادات السائدة،بل لا يعرِفون منكم إلا أخلاقَكم وحُسن تصرُّفكم،

    ولا تغفَلوا عن الإحسان إلى المُعسَرين من المَدينين،فتكون المطالبة بالمعروف،والإنظار إلى ميسرة، وتجاوَزوا لعلَّ الله أن يتجاوَزَ عنكم في يومٍ (لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنون، إلا من أتَى اللهَ بقلبٍ سليمٍ)
    وأحسِنوا في بيعكم وشرائِكم، وحُسن التقاضِي فيما بينكم، فرحِمَ الله عبدًا سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشترى، وسمحًا إذا قضَى، وسمحًا إذا اقتضَى،
    ومن الإحسان،الإحسانُ بترك المُحرَّمات واجتنابها بالكلية، والانتهاء عنها ظاهرًا وباطنًا،قال تعالى(وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ)الأنعام،
    أما الإحسانُ إلى الحيوان، ففي كل كبدٍ رطبةٍ أجر،
    وللجماد نصيبُه من خُلُق المُسلم وإحسانه، وأحد جبل يحبنا ونحبه،
    إن الإحسانَ في الإسلام يرسُمُ ويُرسِّخُ القِيَم الإنسانيةَ العُليا، ويترفَّعُ عن الأحقاد والضغائن،وعلوِّ منزلة الأخلاق عنده،
    إن خُلُق الإحسان هذا وعلى هذه الصفة هو الذي يُجسِّدُ التحضُّر والسُّلُوكَ الإنسانيَّ الراقي، ويتجلَّى الإحسانُ فيه(الراحِمون يرحمُهم الرحمن)
    الإحسان ينطلقُ في ميادين الإصلاح الواسِعة يبذُلُ ما في وُسعه،ينشرُ الخيرَ والفضلَ والبرَّ في كل ما يُحيطُ به
    المُحسِنُ عنصرٌ صالحٌ، ومُسلمٌ مُستقيمٌ مع نفسه ومع الآخرين، لا يصدُرُ عنه إلا ما يُحبُّه لنفسه ويرضاه للآخرين، وفي مسلَكه تزدادُ الحياةُ استقامة، والمحبَّةُ عُمقًا، وتسُودُ الثقة، وتنتشرُ الطُّمأنينةُ، فيكونُ الإنتاجُ المُثمِر، والسعادةُ الشامِلة،
    المُحسِنُ شخصيَّةٌ مُهذَّبةٌ راقِيةٌ، يستبطِنُ بين جوانِحه جُملةً من مكارِمِ الأخلاق تدورُ بين العدل والإحسان وفقَ توجيهات الشرع وترتيباته وأولوياته،
    الإحسانُ مِعيارُ قياس نجاح العلاقات، وثباتها، ودوامِها،ومن أجل هذا، كان جزاءُ الإحسان عظيمًا، فإن الله،عزَّ شأنه،أحسنُ صِبغة، وأحسنُ قيلًا، ومن أقرضَ اللهَ قرضًا حسنًا وأبلَى بلاءً حسنًا ضاعفَ له المثوبةَ أضعافًا كثيرةً، ومنَّ علينا، سبحانه، بالرزقِ الحسن والمتاع الحسن في الدنيا، والحُسنى وزيادة في الأُخرى، ولمن أحسنَ في هذه الدنيا حسنة،ومن اقترفَ حسنةً زادَ له فيها حُسنًا، ومن سألَه في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً فله نصيبٌ مما كسَب، ومن صدَّق بالحُسنى ودعاه بأسمائه الحُسنى أعطاه في هذه الدنيا الحُسنى، وجعلَه من الذين سبقَت لهم في الآخرة الحُسنى،وكلما كان الإيمانُ أكمل والعملُ أحسن كان الجزاءُ أوفَى والثوابُ أعظم،
    يقول الإمام النووي(الإحسانُ هو عُملةُ الصدِّيقين، وبُغيةُ السالكين، وكنزُ العارفين، ودأبُ الصالحين، وهل جزاءُ من صبرَ على البلوَى إلا التقرُّبُ من المَولَى،وهل جزاءُ من أسلمَ قلبَه لربِّه إلا أن يكفِيَه ويحفظَه)
    فإذا حكمتُم فاعدِلوا، وإذا تعاملتُم فأحسِنوا؛ فإن الله مُحسنٌ يحبُّ المُحسنين،
    مُقابلةُ الإساءة بالإحسان هي التِّرياقُ النافعُ في مُخالطَة الناس، والدواءُ الناجِعُ لإصلاحِهم وبثِّ الأمان فيهم،وبإحسانٌ تتحوَّلُ العداوةُ معه إلى صداقةٍ، والبُغضُ إلى محبَّة،ويُقضَى على الضغائِن فينقلبُ العدوُّ صديقًا،فإن هذه المواقف النبيلة المُتسامِحة سُرعان ما تُعطِي ثمارَها، وتُؤدِّي نتائِجَها من الحبِّ والقَبول،


    اللهم وفِّقنا للتوبة والإنابة، وافتح لنا أبوابَ القبول والإجابة،وتقبَّل طاعاتنا ودعاءَنا، وأصلِح أعمالَنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتُب علينا، واغفر لنا، وارحمنا، يا أرحم الراحمين.




  2. #2
    تميم المجد الصورة الرمزية الحسيمqtr
    رقم العضوية
    9845
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    الدولة
    مدينة الشمال
    المشاركات
    1,459
    جزاكِ الله جنة الفردوس

  3. #3
    تميم المجد الصورة الرمزية امـ حمد
    رقم العضوية
    13778
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    الدولة
    قطر
    المشاركات
    20,902
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحسيمqtr مشاهدة المشاركة
    جزاكِ الله جنة الفردوس
    بارك الله فيك وفي ميزان حسناتك اخوي الحسيم
    وجزاك ربي جنة الفردوس

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •