في مقولة شهيرة لثالث رئيس للولايات المتحدة (جيفرسون) «إن السعادة وحياة الإنسان هي هدف أي حكومة صالحة»، كان يحلم بتأسيس دولة ذات مجتمع سعيد مختلف عن أرض الأجداد أوروبا، حيث تكون أرض الأحلام أكثر ثراء وقدرة، ومن جهة كان عالم الاقتصاد البريطاني آدم سميث وهو من أهم المفكرين الأوائل يقول «ليس من السهولة تغير أعضاء المجتمع وعلاقاته كما تغير اليد أحجار رقعة الشطرنج»، فاختلاف الوعي والثقافة بين أفراد المجتمع ومحدودية الموارد قد تعرقل بعض التغيرات حتى لو كانت جادة.

دائماً ألاحظ عبر ما يكتب ويرصد بأن أكثر دواعي الاكتئاب هي بين فئة العاطلين -حتى لو كانوا أثرياء - العاطل ترتفع لديه درجة الاكتئاب جزئياً ليس بسبب الفقر بل (الخوف) بتنامي الشعور لديه بأن المستقبل سوف يكون أكثر سوءاً وفقراً وبالتالي يكون العاطل ضعيفاً أمام أي متغير حتى لو كان بسيطاً من مرض أو غلاء، أيضاً الأثرياء العاطلون يأخذهم الشعور بأن قيمتهم المعنوية والاجتماعية في تدنٍّ وممكن أن يأخذهم هذا الشعور إلى أسوأ العادات أو الممارسات، من جهة العمل فيه شقاء إذا كان يصحبه الجمود والسكون وعدم العدالة، لذلك كان مفهوم حرية الأسواق أساسياً لصنع بيئة تنافسية عادلة لعملائها وموظفيها من حيث الأسعار والجودة ومن حيث رواتب الموظفين وفرص تدريبهم وتطورهم، بيئة أغلب فئات وطبقات المجتمع تستطيع أن تشارك بها كعملاء أو موظفين، لكن ماذا عن القطاع العام وعدم قابليته لهذا المبدأ، الحقيقة يغلب الشعور بالأمان الوظيفي أكثر لدى موظفين القطاع العام لكن مع الزمن توجد فئة ترى أنها تمتلك القدرة التنافسية كما لدى القطاع الخاص وهي بحاجة لمرحلة تحول وفرص تعليم للانتقال للقطاع الخاص.

أخيراً أقول بأن أهم عنصر هو الشعور بالأمان ثم العدالة ثم النمو والتطور فقد يشعر الثري العاطل بالاكتئاب أيضاً، كان عالم الأحياء (دارون) غنياً لكنه كان يعاني من الفراغ لذلك (تسلّى) بدراسة الأحياء لم يكن يعلم أن هناك مستقبلاً مشرقاً ينتظره، الروائي الروسي الشهير ( تلستوي) كان ثرياً وعاطلاً مدمناً للقمار إلى أن لحظ بأنه يتجه للهاوية فتوقف وامتهن الكتابة، ولعل في روايته الخالدة (انا كارينا) تصوير لعلاقة الفقر والثراء والعمل بالسعادة، حيث كتب الرواية في فترة بدأ الفقر بتنامٍ في شتاء أنحاء روسيا وبداية انحسار الطبقة المتوسطة لكن البطلة التي كانت من الأقلية الثرية مع ذلك كانت تشعر بالاكتئاب الناتج عن الفراغ الذي دفعها لتغيرات قادتها للانتحار بجوار فقير آخر.