بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المال المأخوذ بالرشوة مالٌ خبيث
غير المؤمن محبتُه للمال محبةٌ تحمله عل طلبِ المال بأيّ طريقٍ كان، لا يبالي أتى المالُ من حلال أم من حرام، المهمّ الحصولُ عليه، وأما طرقُ الاكتساب والتحقّق منها فلا يبالي بذلك، حبُّ المال أعمى قلبَه، وأصمَّ أذنيه عن سماع الحق، فهو ساعٍ في طلب المال بأيّ طريق،وإنما يريد الوصولَ إليه، أما كونها حلالاً أم حراماً أم مشتبهًا فتلك أمورٌ لا يبالي بها،
جُبلت النفوسُ على حبِّ المال،قال تعالى(وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)الفجر(وَإِنَّهُ لِحُبّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)العاديات،
وأخبر تعالى، أنَّ بالمال قوام حياة الناس(وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْولَكُمُ الَّتِى جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَـامًا)النساء،
لكن تلك المحبة تختلف من إنسان إلى آخر،
فغيرُ المؤمن محبتُه للمال محبةٌ خارجة عن المعقول، محبةٌ تحمله عل طلبِ المال بأيّ طريقٍ كان، لا يبالي وأما طرقُ الاكتساب والتحقّق منها فلا يبالي بذلك، حبُّ المال أعمى قلبَه، وأصمَّ أذنيه عن سماع الحق، فهو ساعٍ في طلب المال بأيّ طريق، لا يقدِّر قدرَه، وإنما يريد الوصولَ إليه، أما كونها حلالاً أم حرامًا أم مشتبهًا فتلك أمورٌ لا يبالي بها، ولا يهتمّ بها، ولا يقيم لها وزنًا، وذاك بلاء عظيم،
أما المؤمن،فهو محبٌّ للمال، حريصٌ على اكتساب المال، لكنه يقِف عند ما حُدَّ الله له، وينتهي إذا نُهي، ويفكّر في المكاسب،أحلال فيقدم عليه،أم حرام فيبتعد عنه،
هو يحبّ المال، لكن لا تحمله محبتُه للمال أن يكتسبَه بالطرق غير المشروعة، بل يقف ويفكِّر في هذا المال الذي سيصل إليه،أمن حلال أباحه الله، أم من حرام حرمه الله،فإن يكن حلالاً فإنه يظفر به، وإن يكن حراماً ابتعد كلَّ البعد عنه، وحمى نفسَه من الحرام،
يعلم يقينًا أنَّ الله سائله عن هذا المال، من أين أتى، وأين ذهب، ويعلم أيضاً أنه سيرحل من الدنيا بأعماله،
إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وأنه سيخلِّف هذا المالَ بعده إلى من يحسن استعمالَه، فترتفع به درجاتُه عند الله، فيكون ذلك الوارثُ خيراً منه، حيث استعمل المالَ فيما شرع الله، أم يستعمله مَن بعده فيما حرم الله عليه، فينضاف إلى وزر فعله أوزارُ من تسبّب في آثامهم والعياذ بالله،
وليعلم أن البركةَ في الطيّب النافع،وقد أمر الله المرسلين بالأكل من الطيبات فقال(ياأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيّبَـاتِ)المؤمنون،
وأمر المؤمنين بقوله (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَـاكُمْ)البقرة،
والطيّب ما أبيح وحلّ استعماله،والخبيثُ ما حرِّم وحرم تناولُه،
ومن المكاسب الخبيثة المحرمة، أخذَ الرشوة، فالرشوة داءٌ عضال،ومرضٌ فتَّاك في مجتمع المسلمين، وبلاءٌ عظيم، ذلكم لسهولتها ويُسرها، وطريقُ اكتسابها يسيرٌ على بعض الناس، ولكن هذا المال المأخوذ بالرشوة مالٌ خبيث، سحتٌ محرّم على آخذه،
إن داءَ الرشوة داءٌ عضال، مرضٌ فتاك في مجتمع المسلمين، لا ينجو منه إلا من ملأ الله قلبه إيمانًا، وعرف عواقبَ الأمور، وتبصَّر في الواقع التبصّر الصحيح، فإن المال يغري ويحمل على كل سوء إلا من رزقه الله إيماناً يردعه ويحجزه عن هذا الحرام،
داءُ الرشوة داءٌ عضال، أمرٌ محرَّم شرعًا بكتاب ربنا وبسنة نبينا،صلى الله عليه وسلم،
الله يقول في كتابه العزيز(وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْولَكُمْ بَيْنَكُم بِلْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِلإثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)البقرة،
فالرشوة أخذُ مال بالباطل، وأخذ مالٍ بلا سبب، وأخذ مالٍ بلا موجب، وإنما هو ظلمٌ وعدوان وإساءةٌ ودناءة وسوءُ فعل، وهو سحتٌ،كما قال الله في حق اليهود(سَمَّـاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّـالُونَ لِلسُّحْتِ)المائدة،
فسَّر الصحابة السحت بأنه الرشوة،كما فسّره عبد الله بن مسعود،رضي الله عنه،قوله(أَكَّـالُونَ لِلسُّحْتِ) أن اليهود من أخلاقهم تعاطي الرشوة والسعي فيها، فالرشوة سحتٌ، والسحتُ خبيث، وكلّ جلد نبت من سحت فالنار أولى به،
هذه الرشوةُ مال أتاك بغير حق،مالٌ اكتسبته ظلماً وعدواناً، وتعدٍّ ومجاوزة للحد، فهو ظلمٌ منك لمن أخذتَ منه، أخذتَه ظلمًا وعدوانًا، ذلكم أنَّ الرشوةَ يدفعها أحيانًا إنسانٌ ليُحكم له على خلاف الحقّ والعياذ بالله، وقد يدفعها لمن يريدُ منه أن يعطيَه ما لا يستحقّه وما لا حقَّ له فيه وليس من أهل ذلك، يدفعُها لكي لا يؤخَذ الحقُّ منه أو يخفَّف عنه ما عليه من حق، يدفعُها أحيانًا ليقدَّم على من هو خيرٌ منه، ويقدَّم على من هو أفضل منه، هذه أسباب دفعِ الرشوةِ لمن يدفعها، والآخذ لها،يظلمُ الناسَ ويبخسهم حقوقَهم، ويتوانَى في تنفيذِ الحقوق، ويماطل بالحقوقِ والقيام بالواجب،
اعلم أنَّ ما أخذته فإنَّ ذلك ظلمٌ وإساءةٌ منك إلى نفسك وإلى إخوانك المسلمين، بالرشوة هُضمت الحقوق، وبالرشوة أخِّر ذوو الفضل، وبالرشوة عمّ الفسادُ إلا من عصم الله من الناس(وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الأرْضِ بَعْدَ إِصْلَـاحِهَا)الأعراف،
عن أبو هريرة،رضي الله عنه،أن النبي،صلى الله عليه وسلم،قال(لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم)
ويقول عبد الله بن عمر،لعن رسول الله،صلى الله عليه وسلم(الراشي والمرتشي والرائش)وهو الواسطة بينهما،
واللعنُ حقيقتُه، الطردُ والإبعاد من رحمة الله،
اتق الله في العمل الذي أنت مسؤولٌ عنه يومَ القيامة، فإياك أن تجعل مسؤوليتك وسيلة لاقتناص أموال الناس بغير حقّ،
تمنع الناسَ حقوقَهم إلى أن تساومَهم على حقوقهم، بجزء منها وإلا فلا يأخذوا شيئاً،
تمنع الناسَ حقوقَهم إلى أن تساومَهم على شيء منها، وإلا وضعتَ العراقيلَ في طريقهم وماطلتَ بهم وأتعبتَهم حتى يخضعوا ويدفعوا وإن كانوا ساخطين عليك تبغضك وتلعنك قلوبُهم،
أيها المرتشي، اتق الله، فإنَّك تقدِّم من ليس كفؤاً للمكان لأجل رشوةٍ تنالها،فقد تتوانى في تنفيذِ الحقوق، وحملِ من عليه الحق على أداء الحقّ لأجل أمرٍ أخذتَه،فلا تبالي بمصالح الناس، إن أتاك من تظنّ أنه ينفعك بجاهه وماله قمتَ بالواجب خيرَ قيام،ونفذت المسؤولية، وأديت الحقوق كاملة،
ولكن إن أتاك من لا ترجو جاهَه ولا ترجو مالَه، تناسيتَه وأعرضتَ عنه، وما كأنه ذو حق يستحقّ حقَّه،لأن ضميرك قد فسَد، قلبك قد ضعُف إيمانُه، فأنتَ لا تؤدّي الأمانة إلا طمعاً ورجاءً، وإلا فأنت ألأمُهم وأقلُّهم دينًا ومروءة،
إياك أن تستغلَّ مسؤوليتك في اقتناص ذلك المال، فوالله إنه مالٌ ممحوق البركة، وسيعود عليك بالضرر إن عاجلاً أو آجلاً، ومالٌ سيُفسد مالك الطيّب، ويفسد قلبَك، ويجعلك مريضَ النفس، لا تؤدِّي أمانَة، ولا تنفذ حقاً، ولا تقوم بواجب، فراقب اللهَ قبل كلّ شيء، وخاف الله قبل أن تخاف الخلق، راقب اللهَ قبل أن تراقبَ الناس، إنّ هذا الداءَ لا يمنع الإنسانَ منه إلا إيمانٌ صادق استقرَّ في قلب العبد،
الرشوةُ تأخذ صوراً شتى وألواناً متعددة، فبعضهم قد يصرِّح بطلبِها، وإن لم يصرِّح بطلبها حاولَ بكل وسيلةٍ أن يلمِّح ويشير لذلك الإنسانِ بطلبها بأيِّ صورةٍ كانت، إما هدية يعطاها، أو مراعاة في أسعار قيم سلعة يروّجها، أو تسهيل مهمّته أو تذليل الصعاب له في أيّ قضيةٍ ما، المهمّ أنه يساوم على تنفيذ الحقوق لمصلحة نفسه التي يرجوها،
والمؤمن حقًّا يخاف اللهَ ويتقيه ويراقبه في كل أحواله،
نبيّنا،صلى الله عليه وسلم، يقول مخاطبًا لعُمّاله( هدايا العمّال غلول، يحذّرهم من أن يقبَلوا الهدايا من الناس،لأنهم لم يُهدوا إليهم إكراماً لذواتهم، ولا محبةً لهم، لكن لأجل مناصبهم ومواقعهم، أهدَوا إليهم ليستميلوا قلوبَهم، ويخدعوا نفوسَهم، ويذلُّوهم ويحطِّموا شخصيتَهم الإيمانيَة القويَّة،
ما أخذتَه اليوم في الدنيا فإنَّك لا توفَّق فيه لخير، ولا تُعان فيه على طاعة، بل يكون سبباً لقسوة قلبك، وفساد دينك، ومحق بركتك، وإفشال الأمر في رزقك، فاحذَر ذلك،وتوقَّ الحرام ما استطعت لذلك سبيلاً، أدِّ واجبَ الأمانة،وواجب المسؤولية في كلّ أحوالك لتكونَ سعيداً يومَ لقاء الله، لتخرجَ من هذه الدنيا وأنت مطمئنٌّ على مكاسبك وأنَّها مكاسبُ طيبة،
احذر المالَ الخبيث، ولا يهمّك كثرة المال، وإنما يهمّك حلُّه من حرمته،واتق اللهَ وراقب الله، وعامل الناسَ جميعًا بالعدل، واتق الله فيما وُلّيتَ عليه، فإنَّ اللهَ سائل كلَّ راع عما استرعاه،
أسأل الله أن يرزقَنا وإياكم القناعةَ بالحلال، وأن يحفظَنا من الحرام، وأن يعينَنا على أنفسنا، ويعيذَنا من شر أنفسنا والشيطان،اللهم آميـــــــن.
|
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحسيمqtr
