ب
سم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فضل العشر الأواخر من رمضان وخصائصها
إن الله تعالى ذو الفضل العظيم والإحسان العميم، يقبل التوبة ويعفو عن السيئات لمن تاب وأناب، وقد جعل سبحانه العشر الأواخر من رمضان فرصة لمن أحسن في أول الشهر أن يزاد، ولمن أساء أن يستدرك ما فاته،ويغتنم هذه الأيام العشر في الطاعات وما يقربه من الله تعالى،
والعشر الأواخر لها خصائص وفضائل منها
نزول القرآن في العشر الأواخر من رمضان، في ليلة القدر، قال الله تعالى(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)وقال عز وجل(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ)
ومن أعظم فضائل العشر،أن الله أنزل هذا النور المبين فأخرج به من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى نور العلم والإيمان، وهذا القرآن العظيم شفاءٌ وهدىً ورحمةٌ للمؤمنين، وموعظة وشفاء لما في الصدور(قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )
ومن خصائص هذه العشر الأواخر ليلة القدر والعبادة في هذه الليلة خير من العبادة في ألف شهر، فالعبادة فيها خير وأفضل من العبادة في ثلاث وثمانين سنة وما يقرب من أربعة أشهر، وهذا فضل عظيم لمن وفقه الله تعالى. قال عز وجل: ï´؟ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ )

وليلة القدر لها فضائل كثيرة، منها،
الفضيلة الأولى، أن الله أنزل القرآن فيها الذي به هداية العباد وسعادتهم في الدنيا والآخرة ï´؟ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)
وقال عز وجل(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ )

الفضيلة الثانية، في هذه الليلة يفرق كل أمر حكيم، أي يُفصل من اللوح المحفوظ ما هو كائن في السنة: من الأرزاق، والآجال، والخير والشر،
الفضيلة الثالثة، ما يدل عليه الاستفهام من التفخيم والتعظيم لهذه الليلة في قوله سبحانه( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ )أن هذه الليلة مباركة(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ)
الفضيلة الرابعة،أن هذه الليلة خير من ألف شهر،تتنزل الملائكة فيها، والروح وهو جبريل؛ لكثرة بركتها، وهم لا ينزلون إلا بالخير والبركة،وأن هذه الليلة سلام حتى مطلع الفجر؛ لكثرة السلامة فيها من العقاب، والعذاب، بما يقوم به العبد من طاعة الله عز وجل،
الفضيلة الخامسة، أن من قامها إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه،ومن أدركها واجتهد فيها ابتغاء مرضاة الله فقد أدرك الخير كله، ومن حرمها فقد حُرِم الخير كله، كما قال النبي،صلى الله عليه وسلم (أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تُفتحُ فيه أبواب الجنة، وتُغلقُ فيه أبواب الجحيم، وتُغلُّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حُرِم،
وعن أنس رضي الله عنه قال، دخل رمضان فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم، إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من حُرِمَها فقد حُرِمَ الخير كله، ولا يحرَمُ خيرَها إلا محرومٌ،
الفضيلة السادسة، أن الله أنزل في فضلها سورة كاملة تُتلى إلى يوم القيامة( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)واجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم،في قيامها، والأعمال الصالحة فيها اجتهاداً عظيماً،
فعن عائشة رضي الله عنها قالت، كان النبي ،صلى الله عليه وسلم، إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله، وجدَّ وشدَّ المئزر،
ومعنى شد المئزر، أي شمر واجتهد في العبادات، وقيل، كناية عن اعتزال النساء،وكان رسول الله،صلى الله عليه وسلم، يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره،
وهذا الإحياء شامل لجميع أنواع العبادات، من صلاة، وقرآنٍ، وذكرٍ، ودعاء، وصدقة، وغيرها، ومما يدل على فضل العشر،إيقاظ الأهل للصلاة والذكر،
ومن الحرمان العظيم أن ترى كثيراً من الناس يُضيِّعون الأوقات في الأسواق، وغيرها، ويسهرون فإذا جاء وقت القيام ناموا، وهذه خسارة عظيمة، فعلى المسلم الصادق أن يجتهد في هذه العشر المباركة، فلعله لا يدركها مرة أخرى باختطاف هاذم اللذات، ولعله يجتهد فتصيبه نفحة من نفحات الله تعالى فيكون سعيداً في الدنيا والآخرة،

ومن خصائص هذه العشر الاعتكاف فيها، وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، وهو ثابت بالكتاب والسنة، قال الله تعالى( وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)
وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي،صلى الله عليه وسلم ،كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، كان النبي ، صلى الله عليه وسلم ،يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماَ،وكان يعرضُ على النبي، صلى الله عليه وسلم،القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قُبض فيه، وكان يعتكف في كل عام عشراً فاعتكف عشرين في العام الذي قُبض فيه)
وذكر ابن حجر رحمه الله أن المراد بالعشرين( العشر الأوسط والعشر الأخير)صحيح مسلم،
وكان رسول الله ،صلى الله عليه وسلم، يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عاماً حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين قال
(من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر فقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها،فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر)
وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه، أن النبي ،صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم قال صلى الله عليه وسلم (إني أعتكف العشر الأول ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي، إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف" فاعتكف الناس معه، قال(وإني أُريتُها ليلة وتر)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال(كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم ،أجدُ الناس بالخير، وكان يلقاه في كل ليلةٍ في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرضُ عليه رسول الله ،صلى الله عليه وسلم، القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة)
والمقصود بالاعتكاف،انقطاع الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله تعالى في مسجد من مساجد الله طلباً لفضل ثواب الاعتكاف من الله تعالى، وطلباً لإدراك ليلة القدر، وله الخروج من معتكفه فيما لا بد منه، كقضاء الحاجة، والأكل والشرب إذا لم يُمكن ذلك في المسجد،

اجتهدوا في طاعة الله تعالى وخصُّوا هذه العشر المباركة بمزيد من الاجتهاد طلباً للثواب ومضاعفة الأجر في هذه الليالي، وطلباً لليلة القدر التي اختصت بها العشر الأواخر من رمضان كما قال النبي ،صلى الله عليه وسلم (إني أُريت ليلة القدر ثم أُنسيتها، أو نُسِّيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر)
وفي حديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي، صلى الله عليه وسلم،أنه قال(تحرُّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان)فليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان يقيناً لا شك فيه،وهي في الأوتار أقرب،لحديث ابن عباس رضي الله عنهما،
أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال(التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر،في تاسعة ، في سابعة، في خامسة )
هي في العشر الأواخر في تسع يمضين ،
وقد كان النبي،صلى الله عليه وسلم،يجتهد في هذه العشر ما لا يجتهد في غيره،

قالت عائشة رضي الله عنها،
يا رسول الله، أرأيت إن علمت أيّ ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها، قال( قولي، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفو عني)

وقد أخفى الله ليلة القدر رحمة بعبادة، لأمور منها، زيادة حسناتهم إذا اجتهدوا في العبادة بأنواعها في هذه الليالي، واختباراً لعباده، ليتبين الصادق في طلبها من غيره، فإن من حرص على شيء جد في طلبه،


اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار،ووفقنا لقيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً ياذا الجلال والإكرام، اللهم إنك عفو تحب الحب فاعفو عنا.