بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن المؤمن يعبد الله في حله وترحاله، ولذا حين تتغير بالناس الأحوال،ويحلون ويرتحلون،فإن المسلم مطالب بالتأدب بآداب الشريعة والتمسك بأحكامها في السفر، وقد ذكر أهل العلم أنه ينبغي لمن أراد سفراً أن تكون له نية صالحة، بالسفر أن يستخير ويستشير، أن يتوب ويقضي الدين، ويخرج من مظالم الخلق، ويتحلل ممن أساء إليهم،ويختار الرفقة الصالحة في السفر،
وأن يحرص المسافر على السنة والآداب الشرعية في السفر،فمن ذلك،اتخاذ الصحبة والرفقة الصالحه،فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(لو يعلم الناس مافي الوحدة ماأعلم ماسار راكب بليل وحده)
ولما وفد رجل من سفرٍ قال له رسول الله،صلى الله عليه وسلم(من صحبت في هذا السفر، قال،ما صحبت أحداً،فقال له،الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب)
ومعنى الحديث، أن التفرد والذهاب وحده في الأرض من فعل الشيطان،أو يحمل عليه الشيطان ويدعو إليه، ولذلك سمى فاعله شيطان،
الإسلام أراد أن يكون المؤمنون جمعاً، وأن يعبدوا الله،سبحانه وتعالى،معاً،ولذلك أكد على الرفقة في السفر،حتى لا يختلفوا،
(إذا خرج ثلاثه في سفر فليؤمروا أحدهم)فهذا الذي يحسم الأمور بينهم إذا اختلفوا،
ويودع أهله وجيرانه وأصدقاءه،ولذلك كان يقول ابن عمر رضي الله عنه للرّجل إذا أراد سفراً،هلمّ أودّعك كما ودّعني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم[/(استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك)فيستودع الله تعالى الدين، لأن السفر قد يحمل الإنسان على التقصير فيه، أو التساهل في المعصية،وإذا ذهب إلى مكان هو فيه غريب قد لا يستحي كما يستحي في بلده وحوله من يعرفه،
وقوله(وأمانتك)أي الأهل، والأولاد، والودائع التي تركها المسافر في بلده،
و(خواتيم عملك)المراد أنه يجعل آخر عمله قربة، فهذا دعاء إلى الله، والأعمال بالخواتيم، والله إذا استُودع شيئاً حفظه،
كما أخبرنا،صلى الله عليه وسلم، جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال، يا رسول اللّه إنّي أريد سفراً فزودني،فقال(زوّدك اللّه التّقوى)فقال،زدني، فقال(وغفر ذنبك)قال، زدني،قال(ويسّر لك الخير حيثما كنت)فإذا ودع إخوانه كان في دعائهم له بركة،
ويستحب السفر صباح الخميس إن تيسر،لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم،كان يحب أن يخرج يوم الخميس،ويبكر في الخروج،
لقوله صلى الله عليه وسلم(اللهم بارك لأمتي في بكورها)
فإذا أقلعت به الطائرة في طبقات الجو وارتفعت،يكبر الله تعالى،ليذكر نفسه أن العلو من صفاته سبحانه، وهو أكبر من كل شيء،
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يفعلونه كما قال جابر رضي الله عنه، كنا إذا صعدنا كبّرنا، وإذا تصوبنا سبّحنا(أي إذا انحدرنا ونزلنا) رواه البخاري،
وهكذا يكون الشأن عند هبوط الطائرة يسبح وينّزه ربه عن كل عيبٍ،
والاستعلاء والارتفاع محبوب للنفس، فيصيبها بالكبرياء، فيذكر نفسه أن الكبرياء لله فيأتي بالتكبير (الله أكبر)والمكان المنخفض يكون محل ضيقٍ، فهو يسأل الله أسباب الفرج حين إتيانه بالتسبيح،
وقد قال يونس في بطن الحوت( لا إله إلا أنت سبحانك،إني كنت من الظالمين)
وإذا نزل منزلاً فإنه يستحب هذا الدعاء الذي دلنا عليه المصطفى عليه الصلاة والسلام بقوله(من نزل منزل ثم قال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيئاً حتى يرتحل من منزله ذلك)
قال القرطبي رحمه الله عن الحديث في النزول(هذا خبر صحيح علمنا صدقه دليلا وتجربة، منذ سمعته عملت به، فلم يضرني شيء إلى أن تركته، فلدغتني عقرب ليلة، فتفكرت، فإذا بي قد نسيت أن أتعوذ بهذه الكلمات)
وقد نزل جماعة منزلاً فقالوا هذا الذكر، فلما أقلعوا من مكانهم وطووا خيمتهم وجدوا تحتهم ثعباناً، لكن لم يمسهم شيء بفضل الله عز وجل،
وسير المسافر في آخر الليل طيب، لقوله،عليه الصلاة والسلام(عليكم بالدلجة، فإن الأرض تطوى بالليل)
خدمة الإنسان المسلم لإخوانه في حلهم وترحالهم من التواضع ومن أبواب الأجر،
قال مجاهد رحمه الله،صحبت ابن عمر في السفر لأخدمه فكان يخدمني،
وقال أنس رضي الله عنه،خرجت مع جرير بن عبد الله في سفر فكان يخدمني،وخدمة جرير لأنس تعتبر من تواضعه لخادم رسول الله،عليه الصلاة والسلام،
وأوصى عليه الصلاة والسلام بعدم الإطالة في السفر بقوله(السفر قطعة من العذاب،يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه،فإذا قضى أحدكم نهمته فليعجل إلى أهله)رواه البخاري،
وهذا النهى في الأسفار من أنواع التعب والنصب والمشقة ومقاساة الحر والبرد والخوف والإرهاق، وتغير الأجواء المؤثر في الصحة، والشعور بالوحشة والغربة، ومفارقة الأهل والأصحاب، والخشونة ما فيه،
قال ابن حجر،وفي الحديث كراهة التغرب عن الأهل لغير حاجة، واستحباب استعجال الرجوع، ولا سيما مَن يخشى عليهم الضيعة بالغيبة، ولما في الإقامة في الأهل من الراحة المعينة على صلاح الدين والدنيا، ولما في الإقامة من تحصيل الجماعات والقوة على العبادة،
ومن انقضت حاجته لزمه الاستعجال كما قال الحافظ رحمه الله،إلى أهله الذين يقوتهم، مخافة ما يحدثه الله فيهم من بعده، وينبغي ألا يقدم عليهم فجأة ولكن يخبرهم؛ ليتهيؤوا لاستقباله،
ما يفعله المسافر إذا عاد من سفره،
وأن يبدأ بالمسجد قبل أن يدخل بيته فيصلي فيه ركعتين كما فعل النبي،صلى الله عليه وسلم، ويحمد ربه على الرجوع سالماً بهاتين الركعتين،
كان الفقيه الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله إذا دخل البلد ولو في غير وقت الصلاة،يدور فيها حتى يجد مسجداً مفتوحاً،ليصلي فيه ركعتين،أخذاً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم،ويستقبله أهله وأولاده،
كما جاء عن أنس رضي الله عنه قال، كان أصحاب النبي،صلى الله عليه وسلم،إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفرٍ تعانقوا،
فإذا رأى بلدته قال(آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون)

نسأله سبحانه أن يجعلنا عند السراء من الشاكرين، وأن يدخلنا برحمته في عباده الصالحين، وأن يغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا،ونسألك أن تنصر دينك وعبادك الموحدين،
اللهم إنا نسألك أن تصلح نياتنا وذرياتنا، وأن تجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، واغفر لنا يا عزيز يا غفور.