بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فلا أحد يضمن حصول رضا الله عنه، ولا يأمن سخطه ومكره


يقول ابن عطاء الله السكندري،
أصل كل معصية وشهوة الرضا عن النفس، وأصل كل طاعة ويقظة وعفة عدم الرضا منك عنها،
فحري بالعبد أن يكون متواضعا مع ربه عز وجل دائم الحذر عالما بأنه مهما أطاع ربه عز وجل وقام بواجب العبودية فإنه بفضل الله تعالى ورحمته، وأنه لا يجزي ربه ولا بنعمة واحدة مما أنعم به عليه سبحانه وتعالى،
فإذا أيقن العبد بذلك انكسر لربه وازداد له طاعة وخضوعاً ولم ير لنفسه فضلاً ولا قدراً فيما بينه وبين والله،
قال ابن القيم،رحمه الله، العارف لا يرضى بشيء من عمله لربه، ولا يرضى نفسه لله طرفة عين ويستحيي من مقابلة الله بعمله،
وكان بعض السلف يصلي في اليوم والليلة أربعمائة ركعة ثم يقبض على لحيته ويهزها ويقول لنفسه، يا مأوى كل سوء وهل رضيتك لله طرفة عين،
وآفة العبد رضاه عن نفسه، ومن نظر إلى نفسه باستحسان شيء منها فقد أهلكها، ومن لم يتهم نفسه على دوام الأوقات فهو مغرور،
فلا أحد يضمن حصول رضا الله عنه، ولا يأمن سخطه ومكره، أو يتأكد من قبوله له،
وقد وصف الله تعالى السابقين بالخيرات فقال(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ،أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)المؤمنون،
قالت عائشة رضي الله عنها،سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية، أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون،قال(لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم)رواه الترمذي، وابن ماجه، وصححه الألباني،
إن تزكية النفس بمدحها والرضا عنها في علاقتها بربها تبارك وتعالى، مما يخالف التوجيهات الربانية، والله تعالى يقول( فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)النجم،
أي، لا تمدحوها وتشكروها وتَمُنُّوا بأعمالكم وبطهارة أنفسكم من المعاصي والرذائل،
وحين زعم أهل الكتاب أنهم أبناء الله وأحباؤه كذّبهم الله تعالى ورد عليهم بقوله(قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)المائدة،
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(لن يُدخل أحدًا عمله الجنةَ،قالوا،ولا أنتَ يا رسولَ اللَّهِ،قال،لا ، ولا أنا ، إلَّا أن يتغمدني اللَّهُ بِفَضلٍ ورَحمةٍ ، فسدِّدوا وقارِبوا)رواه البخاري،
فهل يحق لمن هو دونه أن يمدح نفسه ويظن بها النجاة،
إن السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم كانوا رغم اجتهادهم في طاعة الله تعالى، لا يزكون أنفسهم ولا يمدحونها ولا يمنون بأعمالهم،
فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، السابق إلى الإسلام خليفة رسول الله، المبشر بالجنة بل هو سيد من ساداتها يدخل عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيراه ممسكا بلسانه يجذبه بشدة فيقول له عمر،مه، فيقول أبو بكر،هذا الذي أوردني الموارد (موارد الهلكة)
وهذا عمر بن الخطاب، الفاروق الذي فرق الله به بين الحق والباطل، الرجل الذي إذا رآه الشيطان سالكا طريقا أخذ طريقا آخر وهو فوق ذلك من المبشرين بالجنة،
وعبد الله بن مسعود،الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، حين ضحك بعض الحاضرين من دقة ساقيه فقال(والذي نفسي بيدِه لهما أَثقل في الميزانِ من جَبَلِ أُحُدٍ، هذا الصحابي الجليل يقول لبعض من حوله،لو علمتم ما أُغلِقَ عليه بابي ما تبعني منكم رجلان،ولقد كان يغلق بابه على تلاوة القرآن وقيام الليل والصلاة والدعاء، لكنه اتهام النفس بالتقصير فيما بينها وبين الله تعالى والابتعاد عن تزكية النفس ومدحها والرضا عنها،
وأبو الدرداء فإنه لما مرض ودخل عليه بعض أصحابه يعودونه فقالوا،أي شيء تشتكي،قال،أشتكي ذنوبي،فقالوا،أي شيء تشتهي،قال،الجنة،
ولقد كان التابعون الذين تربوا على أعين الصحابة، ومن بعدهم من العلماء والصالحين على حال عجيب من اتهام النفس بالتقصير ،
هذا الحسن البصري،رحمه الله تعالى،كان كثيراً ما يعاتب نفسه ويوبخها بقوله،تتكلمين بكلام الصالحين القانتين العابدين ،وتفعلين فعل الفاسقين المرائين ، والله ما هذه صفات المخلصين،
وهذا محمد بن واسع رحمه الله،العابد الزاهد،قيل له،كيف أصبحت أبا عبد الله،قال،قريبا أجلي ، بعيدا أملي،سيئا عملي،ويقول،إنما هو عفو الله أو النار،
وكان بكر بن عبد الله المزني إذا رأى شيخاً قال،هذا خيرٌ مني،عبد الله قبلي،وإذا رأى شاباً قال،هذا خيرٌ مني ارتكبتُ من الذنوب أكثر مما ارتكب،
تتواضع النفوس لله تعالى فتزداد إقبالا عليه وخضوعا له بغير دلال ولا إعجاب، موقنين أن التوفيق بيد الله تعالى يهبه من يشاء ويمنعه من يشاء،
فالمسلم المخلص لله تعالى وحده لا شريك له يستجيب الله تعالى لدعواته ، فالمسلم يؤمن بأن الله عز وجل هو منجيه من كل شدة في هذه الدنيا ، وهو منقذه من عذاب يوم القيامة ،
إن النية تصحب المسلم في كل أحواله، في عباداته، وفي معاملاته، وفي علاقته بأهله، وعلاقته بالآخرين، إنها النية الدالة على ما يكون بالخلق من محبة الله وإخلاص العمل له،


اللهم أرزقنا الأخلاص لك وحدك سبحانك فى نوايانا،وتقبل أعمالنا،واجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم،
اللهم،اجعلنا مستسلمين لأمرك،مخلصين عملنا لوجهك،ونخضع لعظمتك،واعف عن تقصيرنا
فإنك يا رب عظيم المغفرة واسع الرحمة.