بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فيا لله هذه نهاية الطغيان،تتنام عين الطاغية، وعين الله لم تنم
قال تعالى(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ،وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ )الزلزلة،
هو، أخطر الآفات،إذا حل بالديار، حلت معه الفواجع، وانتشرت المواجع ، يقتل الإبداع، ويخنق الحريات ، ويهين الكرامة ، يفسد الصدور، ويورث التناحر والاذلال، إنه الطغيان،ذاك المرض الذي أنَّ لهوله كرائمُ الرجال،
ما هو الطغيان، وما آثاره،
الطغيان،من أعظم أسباب هلاك الإنسان وهوانه عند ربه، ولذا حذر المولى رسوله،صلى الله عليه وسلم،من هذه الصفة البغيضة،فقال سبحانه( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا )هود،
فالطغيان غريزة مدفونة في بعض النفوس، قابلة للانفجار،فهذه الأرض، خلقها ربها للأنام، وأصلحها لأهلها، ولكن أبى الإنسان الجهول الظلوم إلا أن يفسد فيها، وإفسادها يكون بعصيان الله فيها، من الكفر به والإشراك معه، والظلم فيها، والفسق عليها،
لقد قص علينا ربنا تعالى بعض من طغى من بني الإنسان،ومن أقوالهم،
فوجد من بني الإنسان الضعيف من قال(أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)النازعات،
ووجد ،من بني الإنسان الخصيم من قال( أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)البقرة،
ووجد ،من بني الانسان المخلوق من نطفة من قال(أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)ص،
ووجد ،من بني الإنسان الكفور من يقول( إنما أوتيته على علم عندي )
ووجد ،من بني الإنسان من يقول(يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ) ومن يقول(إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ )
وجاء ،من بني الإنسان من يقول، إن الشريعة غير صالحة لزماننا هذا، وإن الحدود الشرعية قد عفى عليها الزمن،
وجاء،من بني الإنسان من نادى بفصل الدين عن الحياة،
وجاء من بني الإنسان من وصف الشريعة بأنها قيدت حرية المرأة، إلى غير ذلك من مقولات طغيانية،

فالطغيان انحراف في الفكر، وانتكاسة في التصور، وكما يكون في الأفراد، كما قال سبحانه(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا )الشمس،
وأعظم الطغيان وأخطره، وأشده انحرافًا وآثارًا ، الطغيان في الملك والحكم ، لقد قص علينا ربنا سبحانه أخبار من طغوا في ملكهم ، فعتوا عن أمر ربهم، وعصوا رسله، وأوضح لنا سبحانه أوصافهم وأقوالهم، وكيف كانت نهايتهم ، قص علينا ذلك، لا للتسلية، وإنما لأخذ العبرة والعظة، والتحذير من التأسي بهم،
طاغية كثر ذكره في القرآن الكريم،إنه طغيانٌ فاق كل حدٍ وحدود،
إنه طغيانُ من قال( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى )
وقال(مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي )
وقال( ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ )
إنه طغيانٌ كان نتيجته ونهايته ومآله عليه وعلى قومه أنه (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ)هود،
آيات من القرآن ، تتضح لنا بعض الملامح العامة في المنهج الفرعوني في الطغيان، مع كفره بربه، وادعاءه للربوبية،ومن هذه الملامح،
العلو والتكبر في الأرض ، والتزاهي على الآخرين بالملك والجاه والمال، قال سبحانه(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ )القصص،
وقال تعالى( وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ )القصص،
ومن مباهاته ومفاخراته أن جعل يستحقر الآخرين ويعيبهم فقال عن موسى( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ )الزخرف،
هذا الزهو والتزاهي، واحتقار الآخرين مع أكل حقوقهم،وسلب مقدراتهم وإراداتهم،هو الفساد بعينه، قال تعالى(وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ،فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ)الفجر،
ومن أبرز معالم الطاغية،
استرخاصه للدماء، وإذلاله لشعبه، فتهدر الدماء، لأتفه الأسباب، بل إن فرعون أصدر أوامره بقتل كل مولود يكون عليه زوال ملكك،
ومن ملامح الصفات الفرعونية، أكل خيرات البلاد، وادعاؤه أن ذلك حق له وخلق له، فكانت الأثرة له ولبطانته ولزبانيته ،
هذا الطغيان، والأثرة في أكل الخزائن ، مع الكفر والعناد، جعل موسى عليه السلام يدعو على فرعون وملأه بقوله( رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ )يونس،
من أبرز معالم طغيان فرعون، معاداته للدين وأهله ، يستخدم أشد أنواع التعذيب والتنكيل، بمن اتبع دين موسى،حين آمنوا بقوله( فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ )طه،
مع أن هؤلاء المؤمنين ما نازعوا فرعون في ملكه،وما نادوا بالخروج عليه،وإنما أعلنوا إيمانهم وأظهروا شعائر دينهم،فما احتمل هذا الدينَ الطغيانُ الفرعوني(فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى)
ومن ملامح طغيان فرعون، ادعاؤه معرفة الحقيقة ، فرأيه هو الصواب دائمًا ، وقوله هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والويل ثم الويل لمن خالف أمره ورأيه
قال فرعون مفاخرًا ومتعاليًا ( مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ )
ومن ملامح طغيان فرعون،المجادلة واللجاجة في الباطل، فقد قص علينا القرآن كثرة جدال فرعون مع ضعف حجته وسفاهة رأيه فقال لموسى مجادلًا( وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ)وقال (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا )وتهديد الخصوم بالسجن، وملء المعتقلات بالمظلومين ،
فحين جادله موسى في الربوبية،وبطلت حجته،وانقطعت،جاء التهديد الفرعوني،بقوله(لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) الشعراء،
يتغنى فرعون (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) ثم هو يحارب أبناء وطنه وشعبه، تارة بالقتل، وتارة بالسجن، وتارات بالفقر والجوع، ونشر الفرقة بينهم،
هذه السياسة الفرعونية، بقهرها وقبضتها الحديدية جعلت من فرعون صنمًا مطاعًا طاعة عمياء،هذا الانحراف في الطاعة عبر عنه القرآن بالاستخفاف، قال تعالى( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ )
معاداة الدين معركة محسومة، ونهايته متيقنة،لن يشاد الدين أحد إلا غلبه(كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي )
ومهما طال ليل الظلم، فإن صبح العدل والحرية سينبلج،تنام عين الطاغية، وعين الله لم تنم ،وما علم أن هناك أرجل قد وقفت في ظلمات الأسحار، وأكف مقهورة ، ترفع ظلامتها، للملك العلام،
فبينما فرعون في ظلمه قاهر، إذ أتاه أمر ربه بغتة،وفي لحظة لم يستعد لها، إذا به يصير هاربًا بعد أن كان طالبًا،
هاربًا من جند من جنود الله(وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)المدثر،
جاء طوفان عظيم ابتلعه هو وأقاربه وزبانيته( فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ )
ذهب الطاغية وذهب معه غروره وكيده، فكأنه ما كان هو ولا ملكه، وجعله ربه عبرة لكل طاغية بعده، فلفظه البحر على شاطئه ليراه الناس ،( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ )يونس،
فيا لله هذه نهاية الطغيان، هذه الجثة التي يراها الناس ، كانت يومًا من الدهر تقول( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)
كم أرعدت وأبرقت هذه الجثة،من حقارة الإنسان، حين يطغى ويتكبر، ويتعالى ويتجبر،
فمن أسباب الطغيان،السعي في جمع المال والحرص عليه وعلى تكديسه من الحلال أو من الحرام،
إيثار الحياة الدنيا والرضا بها، ونسيان الآخرة، والتغافل عنها، نوع من الطغيان،
النفرة من أحكام الله وتشريعاته، يورث الطغيان، والانحراف،قال تعالى(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا)المائدة،
إذا نزلت العبر والعظات، والآيات، فلم تتعظ لها القلوب، ولم ترتجف لها النفوس، فهذا مؤشر لا يبشر بخير، يخشى على صاحبه من الطغيان،
ومن خطر الطغيان وخطورته، أن المرء قد يصل درجته ويتقلب فيه، وهو لا يشعر به، لأنه قد حجب عنه نور الحق( وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ )الأنعام،
الطغيان وصوره، فهو داء يبغضه الله، ويكره أهله، وتوعدهم بأشد الوعيد وأغلظه، قال تعالى(هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ،جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ)ص،
وقال تعالى( إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا، لِلطَّاغِينَ مَآبًا )ويكفي الطغيان شؤم وبلاء، أن الشجر والدواب تتأذى من أفعال أهل الطغيان،وفي الحديث(والعبد الفاجر يستريح منه العباد والشجر والدواب)



اللهم،ابعد عنا القهر والظلم والطغيان،وحقق لنا كل مانتمناه من خير وصحة وعافية،وجمعنا في جنان الخلد عندك يا الله،وأبعد عنا الظلم والظالمين، وزينا بالأخلاق أحسنها وأجعلنا من المنصفبن وألهمنا بحب القناعة وكرم وطيب النفس،وهب لنا قلوبـًا بحبك صافية وأتم علينا العافية،
اللهم اغفر لنا كل ذنوبنا و اعفو عنا يارب العالمين.