بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه(سرُّك أسيرك، فإن تكلمت به، صرت أسيره)
نشعر أحيانا بشدة شوقنا للتكلم عن اسرارنا للاخرين لا أدري لماذا هذا الشعور يراودنا احيانا لكن لا نعلم امن الممكن ان يحفظ الاخرون هذا السر ام لا،لذا نتردد مرارا وتكرارا عندما نخبر الاخرون عن اسرارنا،
لكن يجب علينا توخي الحذر من أي شخص وخاصة اذا كان لنا تجارب سابقة مؤلمة، ونحن نعلم انه لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين لذا ومن هذا المنطلق فلنتبع الحكمة القائلة،
القلوب أوعية والشفاه أقفالها والألسن مفاتيحها فليحفظ كل انسان مفتاح سره،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(إذا حدث رجل رجلاً بحديث ثم التفت فهو أمانة) ورواه الترمذي،
وأخرج عن أنس رضي الله عنه(ما خطب نبي الله صلى الله عليه وسلم،إلا قال لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له)
ولما عرض عمر رضي الله عنه بنته حفصة لأبي بكر رضي الله عنه،فلم يجبه بشيء، قال له بعد أن دخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم،لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئاً، فقال نعم،فقال إنه لم يمنع أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم،ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقال أنس رضي الله عنه(أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وأنا ألعب مع الغلمان فسلم علينا فبعثني في حاجة فأبطأت على أمي،فلما جئت قالت ما حبسك،قلت بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم،في حاجة،قالت ما حاجته،قلت إنها سر قالت لا تخبرن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً،
وفي الحديث(استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود)
واعلم أن أمناء الأسرار أقل وجوداً من أمناء الأموال، وحفظ الأموال أيسر من كتمان الأسرار، لأن إحراز الأموال منيعة بالأبواب والأفعال، وإحراز الأسرار بارزة يذيعها لسان ناطق ويشيعها كلام سابق،
وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه(القلوب أوعية والشفاء أقفالها،والألسن مفاتيحها، فليحفظ كل إنسان مفتاح سره،وكتمان الأسرار يدل على جواهر الرجال،
وقال صالح بن عبد القدوس، لا تودع سرك إلى طالبه، فالطالب للسر مذيع، ولا تودع مالك عند من يستدعيه، فالطالب للوديعة خائن،
وقيل لأعرابي،ما بلغ من حفظك للسر، قال، أفرقه تحت شغاف قلبي ثم أجمعه وأنساه كأني لم أسمعه،
وكان أحزم الناس من لا يفشي سره إلى صديقه مخافة أن يقع بينهما شر، فيفشيه عليه،
وقال حكيم، قلوب الأحرار قبور الأسرار،كذلك لا خير في إنسان لا يمسك سره،
قال عمرو بن العاص(ما وضعت سرِّي عند أحد أفشاه عليَّ فلمته، أنا كنت أضيق به حيث استودعته إياه)
وأسرَّ معاوية رضي الله عنه إلى الوليد بن عتبة حديثًا، فقال لأبيه(يا أبت، إن أمير المؤمنين أسرَّ إليَّ حديثاً، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك،قال،فلا تحدثني به،فإنَّ من كتم سرَّه كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه، قال،قلت،يا أبت، وإنَّ هذا ليدخل بين الرجل وبين أبيه،قال،لا والله يا بني، ولكن أحبُّ أن لا تذلل لسانك بأحاديث السرِّ،
وعن الحسن رحمه الله، قال(سمعته يقول،إنَّ من الخيانة أن تحدِّث بسرِّ أخيك)
لأنَّ السِّر أمانة، وإفشاؤه خيانة، والقلب له وعاؤه، فمن الأوعية ما يضيق بما يودع، ومنها ما يتسع لما استودع)
وقال أيضاً(الإفراط في الاسترسال بالأسرار عجز، وما كتمه المرء من عدوه فلا يجب أن يظهره لصديقه، وكفى لذوي الألباب عبراً ما جربوا، ومن استودع حديثًا فليستر، ولا يكن مهتاكاً، ولا مشياعاً لأن السِّر إنَّما سمِّي سراً لأنَّه لا يفشى، فيجب على العاقل أن يكون صدره أوسع لسرِّه من صدر غيره، بأن لا يفشيه)
وقال(الرأي بتحصين الأسرار، ومن كتم سره كانت الخيرة في يده، ومن أنبأ الناس بأسراره هان عليهم وأذاعوها، ومن لم يكتم السِّر استحقَّ الندم، ومن استحق الندم صار ناقص العقل، ومن دام على هذا رجع إلى الجهل، فتحصين السِّرِّ للعاقل أولى به من التلهُّف بالندم بعد خروجه منه،
ولقد أحسن الذي يقول،خشيت لساني أن يكون خؤونا،فأودعته قلبي فكان أميناً،
وقال ابن الجوزي(رأيت أكثر الناس لا يتمالكون من إفشاء سرِّهم، فإذا ظهر،عاتبوا من أخبروا به،فوا عجباً كيف ضاقوا بحبسه ذرعاً، ثم لاموا من أفشاه)
وقال الراغب الأصفهاني(إذاعة السِّر من قلة الصبر، وضيق الصدر)
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة،الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها)صحيح مسلم،
إذا كان الرجال معادن، فإن كتمان الأسرار يدل على جواهر الرجال ومعادنهم،ويفاخرون بكتمانهم الأسرار،
قال بعضهم،
ومستودعي سرًا تضمنت سِرَّه،،،،فأودعته من مُسْتَقَر الحشا قبراً
ولكنني أُخفيه عني كأنني،،،،من الدهر يومًا ما أحطتُ به خُبراً،هكذا أخلاق الكرام من الرجال،
وترى الكريم إذا تصرَّم وصله،،،،،.يخفي القبيح ويُظهر الإحسانا
وترى اللئيم إذا تقضي وصله،،،،،يُخفي الجميل ويُظهر البهتان




اللهم اجعلنا ممن إذا اؤتمن أدى الأمانة،ونعوذ بك من الخيانة وسائر الصفات الذميمة،
اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، واجعلنا من الراشدين،
هدانا الله جميعا لأحسن الأخلاق، وجنبنا مساوئها، والحمد لله رب العالمين