بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تفسير قوله تعالى( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)
معناه عند أهل السنة والجماعة ، أنه معهم بعلمه واطلاعه على أحوالهم،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله،وهو سبحانه فوق العرش،رقيب على خلقه، مهيمن عليهم،مطلع إليهم، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته،
وكل هذا الكلام الذي ذكره الله سبحانه،من أنه فوق العرش وأنه معنا، حق على حقيقته لايحتاج إلى تحريف ولكن يصان عن الظنون الكاذبه،
ويعني بالظنون الكاذبة، أن يظن أحد أن ظاهر النص يدل على تمثيل صفات الله بالخلق ، أو أن ظاهرها يثبت نقصا لله تعالى،وهذه الظنون الكاذبة الخاطئة هي التي وقع بسببها من وقع في التأويل،
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، لا ريب أن السلف فسروا معية الله تعالى لخلقه في الآيتين بالعلم، وحكى بعض أهل العلم إجماع السلف عليه،ولم يصرفوا الكلام عن ظاهره، وذلك من وجوه ثلاثة،
الأول،أن الله تعالى ذكرها،يعني،المعية،في سورة المجادلة بين علمين،فقال في أول الآية(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)
وقال في آخرها(إنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فدل ذلك على أن المراد أنه يعلمهم ولا يخفى عليه شيء من أحوالهم،
الثاني، أن الله تعالى ذكرها في سورة الحديد مقرونة باستوائه على عرشه الذي هو أعلى المخلوقات، فقال(هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )
إلى قوله(وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)فدل على أن المراد معية الإحاطة بهم ، علما وبصرا، لا أنه معهم بذاته في كل مكان،
الثالث، أن العلم من لوازم المعية،ولهذا يمكن أن نقول،هو سبحانه معنا بالعلم، والسمع، والبصر، والتدبير والسلطان وغير ذلك من معاني ربوبيته ،
كما قال تعالى لموسى وهارون(إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)
وقال في سورة الحديد(وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
فإذا كان العلم من لوازم المعية،أي ما ثبت لله تعالى من صفات الكمال،
وقال الشيخ ابن عثيمين،المعية لا تقتضي الحلول والاختلاط، بل هي في كل موضع بحسبه،
فإن معية الله تعالى لخلقه تختلف عن معية المخلوقين لمثلهم، ولا يمكن أن تقتضي المزج والاختلاط أو المشاركة في المكان،لأن ذلك ممتنع على الله عز وجل لثبوت مباينته لخلقه وعلوه عليهم،
وعلى هذا يكون معنا، وهو على العرش فوق السماوات ، لأنه محيط بنا علما، وقدرة ، وسلطانا، وسمعا، وبصرا، وتدبيرا، وغير ذلك مما تقتضيه ربوبيته،
وأن عبد الله بن عباس حين فسرها بقوله(هو على العرش وعلمه معهم ) لم يكن ذلك تأويلا ،
رابعاً،استواء الله تعالى على عرشه فوق سمواته ، لا ينافي نزوله سبحانه كل ليلة إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير ، لأن الله تعالى أثبت الصفتين معا ، فلا يمكن أن يكون بينهما منافاة ، وصفات الله تعالى لا تماثل صفات المخلوقين،
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء،لا تعارض بين نزوله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من كل ليلة مع اختلاف الأقطار، وبين استوائه عز وجل على العرش، لأنه سبحانه لا يشبه خلقه في شيء من صفاته، ففي الإمكان أن ينزل كما يشاء ، نزولاً يليق بجلاله ، في ثلث الليل الأخير بالنسبة إلى كل قطر من الأرض، ولا ينافي ذلك علوه واستواءه على العرش، لأننا في ذلك لا نعلم كيفية النزول ولا كيفية الاستواء، بل ذلك مختص به سبحانه، بخلاف المخلوق فإنه يستحيل في حقه أن ينزل في مكان ويوجد بمكان آخر في تلك اللحظة كما هو معلوم، إلا الله عز وجل فهو على كل شيء قدير، ولا يقاس ولا يمثل بهم،
لقوله عز وجل(فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ)
وقوله سبحانه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)وأنه لا تعارض بين نزوله واستوائه،وأن اختلاف الأقطار لا يؤثر في ذلك،
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله، نزول الرب جل وعلا لا يشابه نزول المخلوقين، بل هو نزول يليق بالله سبحانه وتعالى، لا يعلم كيفيته إلا هو جل وعلا، ولا يلزم منه خلو العرش، هو فوق العرش سبحانه وتعالى، فوق جميع الخلق، وينزل نزولاً يليق بجلاله، لا ينافي فوقيته وعلوه سبحانه وتعالى، فهو نزول يليق به جل وعلا، وهو الذي يعلم بكيفيته سبحانه وتعالى، فعلينا أن نؤمن بذلك، ونصدق بذلك، ونقول، لا يعلم كيفية هذا إلا هو سبحانه وتعالى،




اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي،وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الرضا والغضب،
وأسألك نعيما لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، والرضا بعد القضاء،
وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة،
اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين،اللهم آميــــــن.