بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الطمع خصلة ذميمة، تصاحب المرء حتى مماته، ووصف الطامع بأنه ذليل النفس، عبد لما طمع فيه،إن من طبيعة النفس البشرية حب التملك والحرص على المال، وهذه غريزة بشرية،
أخبر الله عنها في كتابه بقوله(وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)
وبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله(لو كان لابن آدم وادِيَانِ من مَالٍ لايبتغي ثَالِثًا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب)
فالطمع فقر في النفس، لا ينقطع حتى يموت الإنسان، ولهذا كان عمر رضي الله عنه يقول في خطبته على المنبر،إنَّ الطمع فقر، وإن اليأْس غنى، وإن الإنسان إذا أيس من الشيء استغنى عنه،
قال ابن تيمية، وهذا أمر يجده الإنسان من نفسه، فإن الأمر الذي ييأس منه لا يطلبه ولا يطمع به، ولا يبقى قلبه فقيراً إليه، ولا إلى من يفعله،
وأما إذا طمع في أمر من الأمور ورجاه تعلق قلبه به، فصار فقيراً إلى حصوله، وإلى من يظن أنه سبب في حصوله، وهذا في المال والجاه
كما أن الطامع ذليل النفس، عبد لما طمع فيه،
قال ابن حزم (ولولا الطَّمع ما ذلَّ أحد لأحدٍ، ولهذا يقال(العبد حر ما قنع والحر عبد ما طمع)
ويقال(الطمع غل في العنق قيد في الرجل فإذا زال الغل من العنق زال القيد من الرجل)
ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الطمع في المال والشرف مفسدة لدين المسلم فقال(ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)رواه احمد،والترمذي،
أن المؤمن غني بفضله ورزقه وبقناعته بما كتب الله له، يقول ابن تيمية، (كل من علق قلبه بالمخلوقات أن ينصروه، أو يرزقوه، أو أن يهدوه، خضع قلبه لهم، وصار فيه من العبودية لهم بقدر ذلك، وإن كان في الظاهر أميراً ومدبراً لهم متصرفاً بهم، فالعاقل ينظر إلى الحقائق لا إلى الظواهر)
وقوله صلى الله عليه وسلم(من سأل الناس وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خدوشاً أو خموشاً أو كدوحاً في وجهه)صحيح ابن ماجه،
وقوله صلى الله عليه وسلم(من يستغن يغنه الله، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يتصبر يصبره الله،ما أُعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر)متفق عليه،
وأوصى صلى الله عليه وسلم خواص أصحابه بألا يسألوا الناس شيئاً،
وكان أبو بكر يسقط السوطُ من يده فلا يقول لأحد ناولني إياه، ويقول(إن خليلي أمرني ألا أسأل الناس شيئاً)
والله سبحانه يقول(فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ) ولم يقل فابتغوا الرزق عند الله،لأن تقديم الظرف يشعر بالاختصاص والحصر، كأنه قال لا تبتغوا الرزق إلا عند الله،
هذا مثل عظيمٌ ضربه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، لبيان مدى الفساد الذي يلحق المسلمَ في دينه وإيمانه عندما يحرص على المال والشرف في الدنيا ويجعل من هذا الحرص هدفًا قائمًا بذاته يسعى لتحقيقه دون ضوابط ولا حدودٍ، وعندها سيلحق بدينه الهلاكُ المحقَّق وسيخسر آخرَته لينال عرضًا دنيويًّا زائلًا،
ولو تأملنا دقة هذا المثل النبويِّ لعرفنا عِظَمَ المصيبة، فالذئبان الجائعان إذا أُرسلا في قطيعٍ من الغنم وأحاطا به من جانبيه وقد غاب الراعي الحارسُ لذلك القطيع؛ فإنهما سيهلكانه ويفترسانه، ولن ينجوَ من الغنم إلَّا القليل، وكذلك يُعَدُّ الحرص الفاجع من أصحاب الدنيا لبلوغ الشهوة وجمعِ الأموال دون رقابةٍ أو وازعٍ إيمانيٍّ أكثرَ إفسادًا لدين المسلم من إفساد الذئبين الجائعين،
وهكذا يظهر خطر انحراف الشهوات عن طريقها، وتحوُّلُها إلى مرضٍ يفتك بالنفس ويُحيل الإنسانَ إلى حيوانٍ كاسرٍ، شغلُه الشاغل أن يرضيَ أهواءه ولو على حساب إيذاء الآخرين وظلمهم،
ولا شكَّ أنَّ الذي يجعل الآخرةَ نصب عينيه فإنه يسعى دائمًا لتسخير هذه الشهوات في مرضاة ربِّه عزَّ وجلَّ، وأمَّا من تعلَّقت نفسُه بالدنيا وامتلأ قلبُه بحبِّها فإنه سيجعل من شهواته هدفًا ومقصدًا حتى يكون عبدًا لها، وعندها سيحرص عليها، ويلهث وراءها بكلِّ ما أوتي من قوَّةٍ، ويبيع دينَه بعرضٍ من أعراضها الزائلة،
أخرج الإمام الطبراني عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(إياكم والطمع فإنه الفقر الحاضر وإياكم وما يعتذر منه)
وعن ابن عباس قال،قيل يا نبي اللَّه، ماالغنى،قال،اليأس مما في أيدي الناس، وإياكم والطمع، فإنه الفقر الحاضر)
وروى الطبراني عن عوف بن مالك أنه خرج إلى الناس فقال(إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمركم أن تتعوذوا من ثلاث من طمع حيث لا مطمع، ومن طمع يرد إلى طبَع، ومن طمع إلى غير مطمع)
إن من أعظم العيوب القادحة في عبودية الإنسان لربه، داء الطمع في المخلوقين، وهو أصل لكثير من الآفات والمشاكل في مجتمعنا، لأنه محض تعلق بالناس والتجاء إليهم وعبودية لهم، وفي ذلك من المذلة والمهانة ما لا مزيد عليه، والطمع في الشيء دليل على الحب له وفرط الاحتياج إلى نيله،
وإن المتمعن في أحوال الكثير من الناس في المجتمع يجد سلبيات ومساوئ الطمع متجلية عليهم بشكل واضح، فلولا الطمع والحرص ما وجد في المجتمع داء الحقد والحسد وأنواع الإساءات بين الناس بعضهم لبعض، ولولا الطمع ما قامت الكثير من الخلافات والخصومات والصراعات، ولولا الطمع ما كانت السرقات والاختلاسات والاحتيالات، ولولا الطمع ما استهتر بعض أصحاب الحرف والمهن بالناس وعملوا على ابتزازهم واستغلالهم من أجل تحقيق الغنى السريع،،
والطمع نوعان ،
فالمحمود ،هو الذي يأتي في معنى الرجاء من الله، قال تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم عليه السلام: (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين)
وقال(إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا)فكل ما تتمنى أن يكون من نصيبك وكل ما تتمنى أن تحصله، فاقصد من أجله باب مولاك وخالقك فهو الكفيل أن تناله بعزة نفس،
والطمع المذموم ، انبعاث هوى النفس إلى ما في أيدي الناس،والطمع فيما في أيدي الناس انقطاع عن الله، ومن انقطع حبل وصاله مع الله فهو المخذول الخائب، فهذا وأمثاله لا يعدون أن يكونوا عبيدا لبطونهم وشهواتهم، وإن ما من شيء أفسد لدين المرء من الطمع في شهوات الدنيا من مال أو منصب أو جاه،
ذلك أن العبد إذا استرسل مع الأمنيات استعبدته،
كما قال الحكيم، والحر عبدٌ إن طمع، والعبد حرٌ إن قنع،
وقال آخر، أطعت مطامعي فاستعبدتني ولو أني قنعت لكنت حرًا،
والطمع سبب للذل والخنوع والتواضع لأصحاب المال والتملق لهم وطلب صحبتهم والجري في مصالحهم سواء كانوا على حق أو باطل، أي أنه يصبح عبدا لهم،
وقديما قيل، أذل الطمع والحرص أعناق الرجال
.