بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أهوال يوم القيامة

فمن أعظم أهوال يوم القيامة، اجتماع الناس في المحشر وانتظارهم فصل القضاء بينهم، وموقفهم فيه طويل، وشديد ومفزع،
قال تعالى(يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )المطففين،
قال ابن كثير،رحمه الله(يقومون حفاة عراة غرلًا)في موقف صعب حرج ضيق ضنك على المجرم ويغشاهم من أمر الله ما تعجز القوى والحواس عنه،
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عمر،رضي الله عنه،عن النبي،صلى الله عليه وسلم (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)المطففين،
قال النبي،يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه،
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة،رضي الله عنه،أن النبي،صلى الله عليه وسلم،قال(يعرق الناس يوم القيامه حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً،ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم)ويكون عرق الناس في ذلك اليوم على قدر أعمالهم،
روى مسلم في صحيحه من حديث المقداد بن الأسود،رضي الله عنه،قال،سمعت رسول الله،صلى الله عليه وسلم،يقول(تدني الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل،فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق،فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه،ومنهم من يكون إلى حقويه،ومنهم من يلجمهم العرق إلجاما،وأشار رسول الله،صلى الله عليه وسلم،بيده إلى فيه)رواه مسلم
قال ابن أبي جمرة،فأشدهم في العرق الكفار ثم أصحاب الكبائر، ثم من بعدهم المسلمون قليل منهم بالنسبة إلى الكفار،
قال ابن حجر،ومن تأمل الحالة عرف عظم الهول فيها، وذلك أن النار تحف بأرض الموقف، وتدنى الشمس من الرؤوس قدر ميل، فكيف تكون حرارة تلك الأرض، وماذا يرويها من العرق حتى يبلغ منها سبعين ذراعًا مع أن كل واحد لا يجد إلا قدر موضع قدمه، فكيف تكون حالة هؤلاء في عرقهم مع تنوعهم فيه،هذا مما يبهر العقول ويدل على عظيم القدرة، ويقتضي الإيمان بأمور الآخرة أن ليس للعقل فيها مجال، ولا يُعترض عليها بعقل ولا قياس ولا عادة، وإنما يُؤخذ بالقبول ويدخل تحت الإيمان بالغيب، ومن توقف في ذلك دل على خسرانه، وحرمانه،فيأخذ في الأسباب التي تخلصه من تلك الأهوال، ويبادر إلى التوبة من التبعات، ويلجأ إلى الكريم الوهاب في عونه على أسباب السلامة، ويتضرع إليه في سلامته من دار الهوان، وإدخاله دار الكرامة بمنه وكرمه،
هذا الموقف مع شدته وكرب الناس فيه، فهو موقف طويل جدًّا مقداره خمسين ألف سنة،
روى الطبراني من حديث عبد الله ابن مسعود،رضي الله عنه،أن النبي،صلى الله عليه وسلم،قال(يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة ، شاخصة أبصارهم إلى السماء، ينتظرون فصل القضاء)
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة،رضي الله عنه،أن النبي،صلى الله عليه وسلم،قال(أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار،فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة،حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)
وقوله تعالى(فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) قال، يوم القيامة،
وكان النبي،صلى الله عليه وسلم( يتعوذ من ضيق هذا اليوم وكربته)
سألت عائشة بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح قيام الليل، قالت لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم(يكبر عشرا ويحمد عشرا ويسبح عشرا ويهلل عشرا ويستغفر عشرا ويقول اللهم اغفر لي واهدني وارزقني وعافني أعوذ بالله من ضيق الحساب يوم القيامة عشراً)
ومن ثمرات الإيمان بهذا الموقف العظيم،
أولًا، أن المؤمن ينبغي أن يكون على استعداد للقاء ربه، وألَّا يكون في غفلة، فإن أمامه أهوالًا وأمورًا عظيمة، فهناك الموت وسكراته، والقبر وظلماته، والنفخ في الصور، والبعث بعد الموت، وعرصات يوم القيامة، والميزان، والصراط والنار،
روى الترمذي في سننه،أن النبي- صلى الله عليه وسلم،قال( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا )
يعني ما يعلم هو من أمور الآخرة وشدة أهوالها ، ومما أعد في النار من عذابها وأنكالها ، ومما أعد في الجنة من نعيمها وثوابها،
ثانيًا،أن الكفار وأصحاب المعاصي يشدد عليهم في ذلك اليوم،قال تعالى(وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا)
الفرقان
ثالثًا، ومن البشائر أن أهوال الآخرة مع شدتها وكرباتها من القبر وظلماته، والنفخ في الصور، وعرصات يوم القيامة، والصراط وغيرها، أن الله بِمَنِّهِ وكرمه يخفِّفها على المؤمن،
ومن البشائر قول الله تعالى(أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا)
قال ابن عباس،رضي الله عنهما،إنما هي ضحوة، فيقيل أولياء الله على الأسرة مع الحور العين، ويقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين،
رابعًا، إنه في ذلك الموقف العظيم والناس في حر شديد، وبلاء عظيم لا يطاق،عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله . ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه )رواه البخاري،ومسلم،
خامسًا،إنه ينبغي للمؤمن أن يكثر من الأعمال الصالحة ويخفيها عن الناس،
كان عبد الله بن المبارك يأتي إلى ماء زمزم ويقول،سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم،يقول(ماء زمزم لما شرب له)وأنا أشربه لعطش يوم القيامة، ثم شرب،

اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين، اجعلنا ممن يلقون يوم القيامة سلاماً يا أرحم الراحمين، أدخلنا الجنة بغير عذاب ولا حساب، اجعلنا من أهل الفردوس الأعلى، أدخلنا الجنة مع الأبرار،واجمعنا بأحبابنا يوم الدين، مع حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم،وأخرجنا من الظلمات إلى النور، اللهم كفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار،
اللهم ابطش بالظالمين، واقصم ظهور الجبارين، اللهم إنا نسألك يوماً قريباً تأتنا به بالفرج يا رب العالمين، اللهم فرج عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة رسولك صلى الله عليه وسلم، اللهم آميـــــن.






.