بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فيقول الله،عز وجل(أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ،حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ،كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ،ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ،كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ* لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ،ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ،ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)سورة التكاثر
هذه الآيات تضمنت حقائق وجملة من الأمور لا بد للعبد أن يتبصر بها، وأن يقف عندها، وأن يكشف الغشاوة التي تحول بينه وبين حقيقة الاعتبار، وإدراك الأمور على طبيعتها، فيرى الأشياء على ما هي عليها دون أن يكون في شغلٍ شاغل، وفي لهوٍ وعبثٍ وتسارع من غير طائل، يجري فيه خلف هذه الدنيا، فتشغله عما هو بصدده من طلب الآخرة التي خلق من أجل أن يسعى لها،
من صور التكاثر، التكاثر في الأثاث،والتكاثر في الأولاد،كما أخبر الله،تبارك وتعالى،فيتكاثر الناس بكل مظاهر الدنيا ومباهجها،
يحاسب الإنسان كما قال الله،عز وجل(ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)سورة التكاثر، يحاسب عن شربة الماء البارد، ويحاسب على جلسته على هذا الفرش الوفير، ويحاسب على هذا المتكأ، ويحاسب على هذه الثياب اللينة، كل ذلك يحاسبه الله،عز وجل،عليه، وإن كان هذا ليس بحرام بل هو حلال، ولكن هل أدى شكره،أم لم يؤدِّ شكره،
أما القصور والنعيم والملاذ، فيحاسب الإنسان عليها، هل أدى شكرها أو لم يؤدِّ شكرها،
نحن لا نقول،اسكنوا في جحر، ولا نامون على التراب أو على الحصير لا، نقول، ناموا على الفرش واسكنوا البيوت النظيفة الجيدة، لكن لا يكون هذا شغل الواحد منا،وهمه وغايته هو طلب هذه الحياة الدنيا، وينسى ما ينتظره في الآخرة التي يجب عليه أن يعمل لها، فيكون ممن ألهاهم التكاثر،
هذا رجل من السلف،كان قد حفر في بيته قبراً،فكان يدخل فيه،ثم يقول لأهله، أهيلوا علي التراب،ثم يصيح ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت،يتذكر الموت والقبر،لأن الإنسان المجرم الظالم الذي لا يعرف الله،عز وجل،إذا مات ورأى العذاب يطلب الرجعة ويتمناها،ولكن هيهات،
ومما يدل على حقارة الدنيا وأنه شيء ينبغي للعبد أن لا يتعلق به،ولا يتشبث به،ولا يملأ قلبه بها،
ماوقع بين ابن السماك وهارون الرشيد،الخليفة العباسي، دخل عليه ابن السماك فاستسقى الرشيد،طلب الماء،فأوتي بقلة فيها ماء مبرد،فقال،لابن السماك عظني،فقال،ياأمير المؤمنين،بكم كنت مشترياً هذه الشربة لو منعتها،قال،بنصف ملكي،
هارون الرشيد ما يملك دولة مثل دول اليوم لا، كان يملك من الأندلس إلى حدود الصين دولة واحدة، يقول،بنصف ملكي لو منع هذه الشربة من الماء، فقال له،اشرب هنيئاً، فلما شرب قال،أرأيت لو منعت خروجها من بدنك بكم تشتري ذلك،قال،بنصف ملكي الآخر،فقال،إن ملكاً قيمة نصفه شربة ماء،وقيمة نصفه الآخر بولة لخليقٌ أن لا يتنافس فيه، فبكى هارون،
نحن ما عندنا مثل ملك هارون الرشيد، لكن لو سئل الواحد منا،هذا البيت وهذه الأرصدة والأسهم التي عندك لو منع منك هذا الماء كم تدفع،يمكن تنزلاً يقول،أدفع نصف ملكي، وإلا الواقع يدفع كل ملكه من أجل أن يشرب وإن لم فسيموت من العطش، ولو حبس منه يدفع النصف الباقي،
إذن، كل هذا السعي وكل هذا التعب في هذه الدنيا على شربة ماء،
ينبغي للعبد أن يتعقل وأن يفكر، وأن ينظر في حاله، وما هو بصدده، وما يحتاج إليه من العمل الصالح، وأن لا يغتر بمباهج هذه الحياة الدنيا، فعمَّا قليل تزول، وكل شيء فيها يذهب ويتغير،

هذا البناء الذي ترونه،والفرش الجديد بعد مدة يكون قديماً ويحتاج إلى إصلاح، ثم بعد مدة يحتاج إلى هدم وبناء من جديد، ثم بعد مدة هذا الحي بكامله يزهد أهله فيه، ويبقى للعمال، ثم بعد مدة حتى العمال يتنزهون منه،ثم ينتقل إلى آخر،ثم إلى أين في النهاية،إلى الحفرة الملحودة التي جدرانها غبرُ
فمن كان غافلاً نائماً فليستيقظ،هكذا طبيعة الحياة الدنيا،أين مساكنهم،أين مراكبهم،لا يوجد شيء ولا أثر، ولا موطئ قدم، كل ذلك يزول، وآثارنا جميعاً ستزول، وسنتلاشى ونذهب، ونندثر، ولا يبقى إلا العمل الصالح،
فينظر الإنسان ويعتبر ويتعظ، وإذا نظر إلى إنسان قد شاخ وكبر في السن يتذكر أنه كان في يوم من الأيام في غاية القوة والفتوة، ثم ما تلبث الأيام أن تمر به والسنين،ثم بعد ذلك يتجعد الوجه،ويترهل ويضعف، وتذهب قواه، وكثير من الأشياء التي كان يعتز بها ويفتخر بها،
ولربما كان مايقدر ولا يقف أمامه الجمع من الناس، ثم بعد ذلك تجده في غاية الذبول والضعف والعجز،
كم من إنسان الآن قبره محفور وهو يجد ويخاصم ويجادل،
فعلينا أن نعتبر، ولا نغتر بمباهج الحياة الدنيا، يأخذ الإنسان منها، ويكتسب ويعمل، ولا يقعد ولا يكسل، ولكن لا تملأ الدنيا قلبه، وتكون الدنيا بالنسبة إليه هي كل شيء،بها يفكر، ويقوم، ويقعد، ولا يكاد يأتي الصلاة إلا متأخراً، وقد لا يأتي إلى الصلاة أصلاً، وكل هذا انشغالاً بدنياه، فينبغي للعاقل أن يكون بعيد النظر
نحن عمرنا في الدنيا وأصلحناها، لكن ماذا عمرنا في المستقبل الحقيقي في الآخرة، الذي سننتقل إليه جميعاً بنينا من دورٍ سنسكنها هناك،
والدور هناك ما تبنى بالأموال ولا بالأحجار، وإنما تبنى بالعمل الصالح،
تصدق سبح هلل،هكذا يبنى لك،فكل إنسان يحرص على الخير وعلى طاعة الله،عز وجل،لأنه وحده سيحاسب، ووحده سيقف أمام الله،عز وجل،ووحده سيوضع في القبر، ثم بعد ذلك يدرك حقيقة ما كان عليه من التفريط والتضييع،
أمر الله سبحانه وتعالى عباده أن يقصدوه بالعبادة وحده، ونهاهم أن يشركوا معه غيره، وأخبر أن من أشرك معه في عبادته غيره ليس له عنده شيء، وأنه أول من تسعر به النار،

أسأل الله،عز وجل،أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا،وأحوالنا،وأن يلطف بنا،
وأن يغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين،