هل جميعنا يتذكر ما درسناه منذ الصف الأول الابتدائي إلى أن تخرجنا من الجامعة ؟ بالطبع لا ، والسبب واضح ، قلة تركيزنا الناتج عن الكم الضخم من المعلومات التي نستقبلها طوال كل سنة دراسية ، التي تفوق طاقة عقل الإنسان .

إن المعلومات التي درسناها مفيدة للغاية ، لكن لم يتم تنسيقها وفقا لقدرة عقل الإنسان ، فمن أسباب ترك بعض الأشخاص للمدرسة منذ صغرهم و ضياع مستقبلهم ، هو خوفهم من الكم الهائل الذي يتوجب عليهم حفظه ، فبهذا الوضع يكون قد ذهب ثلاثة أرباع يومهم في حضور الحصص و بعدها المذاكرة في المنزل ، وبالتالي لم يبقَ إلا بضع ساعات كي يعيش الإنسان حياته الاجتماعية وبعدها يذهب للنوم ، إذاً فُقد عامل كبير من عوامل الحياة وهو العامل الاجتماعي ، كرؤية الأصدقاء والأقارب واللعب ، حيث ذلك ما يؤدي إلى كرههم للدراسة والمدرسة ، فهل من العدل أن نحرم الأطفال والشباب من متع الحياة الفطرية التي أحلها الله تعالى ؟ وبالنسبة للوقت المتبقي بعد حضور الحصص واستذكار الدروس ، هل يكفي لتوفير تربية سليمة وحياة هانئة ؟

ألا نلاحظ أن أغلب الآباء و الأمهات ، أصبح تركيزهم على التحصيل العلمي أكثر من التحصيل الأخلاقي ؟ ركزوا فيما يحصل بعد الدوام المدرسي ، تأتي الأم من عملها منهكة ، ثم ترتاح قليلا ومن ثم تذاكر لأولادها وإن كانوا ثلاثة أو أربعة أطفال ، وقد تكون المذاكرة مصحوبة بالصراخ والضرب ، وبعدها ستنتهي منهم مساءً وقد حان وقت العشاء ثم الصلاة ومن ثم النوم ، أين التربية ؟ هل نتوقع أنها ستتمكن من إرضاء زوجها بعد استنزاف طاقتها من قبل تدريس الأبناء ؟ والأب كيف له أن يجلس مع أبنائه وأن يعلمهم الأخلاق الصحيحة بينما هم يستذكرون دروسهم إلى المساء ؟

والمعلم الذي يكدح صباحا في الشرح ، والمجهود المبذول في تحضيرالدروس في المنزل على حساب وقت عائلته وحياته الاجتماعية ، و في النهاية سينسى الطالب أغلب ماتم شرحه بعد ذلك الجهد الجبار ، إذا أين هي الاستفادة بعدما قصر المدرس في حق نفسه وصحته وأسرته وراحة باله بسبب تحضير وإلقاء الدروس المكثفة ؟

ألا نلاحظ أن أغلب الأبناء لديهم أخطاء سلوكية ؟ لماذا نستغرب بينما لم نعطهم الوقت الكافي للنصح والإرشاد ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : " والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم ، وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات." ، أي ليس مرفوضا أوحراما إذا خصص الإنسان وقتا لراحته أوجلس مع أهله وأبنائه وعمل في تجارته وفعل ما أحله الله تعالى ، بمعنى آخر ، ليس مطلوبا أن تجعل يومك كاملا للدين فقط ، بينما البشر يجعلون اليوم كاملا أو أغلبه للعلم والدراسة على حساب الحياة الاجتماعية والتربية ، وبالطبع العلم ليس أهم من الدين والأخلاق كي نجعله يستحوذ على أغلب اليوم ، فهل ترتجون الخير من عالِم دون أخلاق ؟

لاحظوا التطور العلمي الضخم في زماننا هذا ، و لاحظوا ازدياد سوء الأخلاق جيلا بعد جيل ، ولاحظوا قلة التطور سابقا مع أجيال أكثر أدبا ؟ هل اتضحت المعادلة الآن ؟ زاد الاهتمام بالعلم وتدنت الأخلاق ، بينما في السابق ، علم بسيط وأجيال أكثر أدبا ، أليس من الممكن أنها خطة مدبرة لإفساد الأجيال ؟ أي بإشغالهم بالعلم وإهمال الأخلاق كي نصل إلى مانحن عليه الآن من فساد أخلاقي ؟

لماذا لا نكتفي بربع المناهج بكل سنة كي تزيد فرصة التربية الصالحة والحياة الاجتماعية ، وبذلك نكون أمسكنا العصا من نصفها ، علم ودين وأخلاق ، وبالتالي ركزنا على القليل وقد رسخ في عقولنا وأصبح باستطاعتنا تطبيقه في حياتنا ، بدلا من المعلومات الضخمة التي تنسى بعد حين ، فقد قال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام في حديثه : " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل " ، بالإضافة إلى الحكمة التي قيلت قديما : ( قليل دائم خير من كثير منقطع ) ، أليست وصايا ناجحة؟

أعلم أنه من الصعب أن يطبق ما تحدثت عنه لأنه مطبق منذ ما يفوق الخمسين سنة ، ولكن ليست كل عادة صحيحة ، فها نحن نرى قوانين تتبدل حينما يتبين أنها ضد المصلحة العامة ، فلماذا لانقوم بتغيير الأسلوب الدراسي من أجل مصالح أبنائنا وأخلاقهم ؟