بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
معنى العفة،وفوائدها
عوامل تحقيق العفة،كثيرة وأبوابها متعددة
فالمجتمع الذي يتصف بالعفة يكون بعيدًا من الفواحش والرذائل، أن العفيف من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله(ورجلٌ طلبته امرأةٌ ذاتُ مَنصِبٍ وجمالٍ، فقال إني أخافُ اللهَ)
فقد جاء في قصة أصحاب الغار،الذين انطبقت عليهم الصخرة،
أن أحدهم توسل إلى الله بقوله(اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم من أحب الناس إلي، وأني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار،فطلبتها حتى قدرت، فأتيتها بها فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها،فقالت،اتق الله،فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، ففرج الله عنهم فخرجوا)
إعانة الله لمن أراد العفافإن الله سبحانه وتعالى تكفل بمقتضى وعده إعانة من يريد النكاح حتى يعفَّ،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(ثلاثة حقٌّ على الله عزَّ وجل عونهم،المكاتَب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله،
معنى العفة،الكف عن القبيح،ووصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة،فيما حرم الله ،سبحانه وتعالى،ومن كف عن الحرام،فإنه يأخذ القليل من الحلال يكفيه ويعفه ويحصل به النفع له فيمتنع به الضرر عنه وعن غيره في بناء المجتمع المسلم ،ولعفة هي الكف عما لا يحل ويجمل،عما يكون قبيحاً في أعراف الناس،وعف عن المحارم والأطماع الدنية،والإستعفاف هو طلب العفة والعفاف
وذلك ورد في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم(ومن يستعفف يعفه الله )
والإستعفاف، هو طلب العفاف وهو الكف عن المحرم الذي حرمه الله سبحانه وتعالى،والإكتفاء بما حل وإن كان قليلاً،لأن القليل الذي أحلّه الله ويطمأِن النفس ولا يحتاج معه العاقل إذا عرف عواقب الأمور الى الزيادة عن هذا الحد المشروع،
في مقابل العفة،وهو الخبيئة والدناءة ، فثمة رجل عفيف ورجل دنيئ والعفة لا تقتصر في معناها على جنس دون جنس ، فليست العفة خاصة بالنساء دون الرجال بل إمرأة عفيفة ورجل عفيف وكذا فيما يقابله،
معنى العفة، أن نعرف طبيعة النفس الإنسانية، فالنفس كما وصف النبي،صلى الله عليه وسلم( أن ابن آدم لو كان له واد من ذهب لابتغى ثانياً،ولو كان له واديان لابتغى ثالثاً، ولا يملأ فم ابن آدم الا التراب)فطبيعة النفس البشرية أنها لو تركت لهواها لا تشبع،
فالعفة التي هي إقتصار على القليل،وفيه نوع من التربية والتهذيب للنفس، أما لو تركت النفس كما تشاء فإنها لا تقتصر على العفة بل تتجاوز الى ما وراءها،
فإذن العفة تهذب النفس التي في أصل طبيعتها نهم وشغف لا ينتهي مطلقاً،الى حد وما يزال الامل بالإنسان حتى يقطعه الأجل،ولو مد للأنسان ما في عمره لكان له فيها آمال جديدة يضيفها الى سالف آماله،ولو تركنا النفس بطبيعتها لما انتهت إلى حد،كالشارب من ماء البحر لا يزيده شرب الماء بملوحته الا الزيادة في العطش،فكانت العفة درب من الوسطية ونوع من تحقيق المراد الذي تحتاج إليه النفس من غير إفراط ولا تفريط،
عوامل تحقيق العفة،كثيرة وأبوابها متعددة،
العامل الأول،الإيمان،
فأعظم عاصم من المعاصي وأعظم رادع عن المحرمات،هو الإيمان بالله،عز وجل،الذي يُنشىء مملكة الضمير التي لا تفارق العبد المؤمن فتجعله دائماً يستحضر أموراً مهمة من أعظمها وأجلها الخوف،والحياء من الله،وتذكّر الآخرة،
واستشعار عظمة الله ونعمة تبعث على الحياء من الله ، وإستحضار هول الآخرة،ولذلك كانت التربية الإيمانية والزاد الإيماني،أعظم ما يقوي العبد على التزام أمر الله ويعينه على المصابرة والإمتناع عما حرم الله سبحانه وتعالى،
سئل بعض السلف من أهل الإيمان والصلاح والتقى كيف السبيل إلى غض البصر، قال علمك بأن نظر الله إليك أسبق من نظرك الى ما حرم عليك،قال جل وعلا(يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)
أثر عن بعض السلف أنه كان يربي بعض الصغار من بني قرابته، فكان هذا الصغير ينظر إليه عابداً متهجداً ذاكراً تالياً داعياً لله،سبحانه وتعالى،فالتفت إليه ذلك المربي يوماً وقال له
(إستحضر في قلبك وإن لم تنطق بلسانك أن تقول،الله شاهدي،الله ناظري،الله مطلع عليّ،كلما هممت بهم أو فعلت فعلا فقل ذلك في قلبك،قال،فما زلت أتعود ذلك وأنا صغير السن، فلما كبرت كان ذلك من نعمة الله عليّ ومن عصمة الله لي)
في قصة يوسف،عليه السلام(وراودته التي هي في بيتها عن نفسه وغلّقت الأبواب وقالت هيت لك)
فقال يوسف عليه السلام (معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي)
ثم اعترفت وقالت (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين)
فماذا كان جوابه(قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْه)
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال(إن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم،حتى إذا نفد ما عنده،قال،ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم(ومن يستعفف يعفَّه الله، ومن يستغنِ يغنه الله،ومن يصبر يصبره الله،وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر)
قال ابن عبد البر(فيه الحض على التعفف والاستغناء بالله عن عباده، والتصبر، وأنَّ ذلك أفضل ما أعطيه الإنسان، وفي هذا كلِّه نهي عن السؤال، وأمر بالقناعة والصبر)
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(اضمنوا لي ستًّا من أنفسكم أضمن لكم الجنة، اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدُّوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضُّوا أبصاركم، وكفُّوا أيديكم)رواه البخاري،ومسلم،
واعلموا أن الرزق مقسومٌ، ولن يعدو المرء ما قسم له، فأجملوا في الطلب، فإن في القُنوع سعةً وبلغةً، وكفاية وراحة، وما ترونه من متاع الدنيا ذاهبٌ وزائل، وما مضى كأن لم يكن، وكل ما هو آتٍ قري(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُون)

أسأل الله تعالى أن يرزقنا القناعة بما رزقنا، وأن يجعل حسابنا يسيرا، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا ونياتنا، إنه سميع مجيب، والحمد للّه رب العالمين.