بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أين نحن من القرآن
ما منزلة هذا القرآن في نفوسنا وحياتنا إيماناً وتصديقاً، وعلماً وفهماً، وعملاً وتطبيقاً، وحكماً وتشريعاً، وشفاءً ودواءً لمختلف الأمراض،وهل نحنُ عارفون بمنزلة هذا القرآن،علماً وعملاً،كما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده،لماذا صارت أحوالنا هجراً للقرآن كلياً أو جزئياً(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً)الفرقان،
فالمشركون كانوا لا يصغون للقرآن ولا يسمعونه، بل إنهم قالوا(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)فصلت،
حيث كانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره، حتى لا يسمعونه، فهذا من هجرانه بل من أعظم الهجران،
وترك الإيمان به وتصديقه من هجرانه،وترك تدبره وتفهمه، وتلاوته من هجرانه،وترك العمل به، وامتثال أوامره واجتناب زواجرهِ من هجرانه،وترك التحاكم إليه في جميع الشؤون من هجرانه،والعدول عنه إلى غيره من شعرٍ أو قول أو غناء، أو لهوٍ أو كلام، أو طريقةٍ مبتدعةٍ من هجرانه،

إن من أخطر مسببات الهجران،الانحراف عن الأهداف الكبرى والأساسية للقرآن،فعند البعض أنَّ هذا القرآن نزل للأموات وليس للأحياء، فلا يلتفتون إلى القرآن إلاَّ عند المآتم، حين يموتُ ميت لهم، وحينئذٍ يجتمعُ القراء في هذا البيت الهاجرِ للقرآن، أو تصدع أجهزةُ التسجيل بالقرآن،حسب العادة المتبعة،وأحياناً ينقلون القراءَ إلى المقابر بعد زمن،
وعند البعض يكفي أن يفتتح بالقرآن في مؤتمراتهم واحتفالاتهم، وفي إذاعاتهم،
ويختتم به أحيانأ، وكل ذلك للبركة،
وغيرها من الآيات كثير،
وتحول القرآن عند البعض إلى تمائم ورقى تعلق على الأجساد، وتوضع في البيوت أو السيارات، دفعاً للضرر،فهل نزل القرآن على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ثم حفظهُ الله إلى قيام الساعة من التحريفِ والتبديلِ والزيادةِ والنقصان ليكون هكذا،هل نزل ليحتفظ كل واحدٍ منا بنسخةٍ من القرآن،في بيته ويبقى مركوناً، لا نعطيه حتى ولا جزءاً من وقت، نعطيه كل يوم للجريدة التي نقرؤها ونطالعها؟هل نزل هذا القرآن لنمدحهُ نظرياً مظهرين احترامه ومنزلته، ثم نعرض عنه عملياً في حياتنا ومناهجنا التربوية، وأحكامنا وتشريعاتنا وجميع أمورنا،
إن هذا القرآن له في أمةِ الإسلام شأنٌ وأي شأن،
اسمعوا إلى بعض ما ذكرهُ الله في كتابه، وتذكروا أن هذا الذي نتلوهُ كلام الله تعالى(قل لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)الإسراء،
وقال تعالى(وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِي)يونس،
وقال تعالى(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً) الإسراء،
وقال تعالى(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً)الإسراء،
وقال تعالى(قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)النحل،
وغيرها من الآيات كثير،
وهذا القرآن أنزلهُ الله تعالى وحفظه، وميَّزه عن الكتب السابقة،
ليكون له شأنٌ في أمة الإسلام،في أي مكان أو زمان،إلى قيام الساعة،
فما هي الأهداف الأساسية لهذا القرآن،
أولاً، إن هذا القرآن،هو كتابُ هدايةٍ لمن أراد السيرعلى الصراط المستقيم،فهو(هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)
قال تعالى(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)الشورى،
فالقرآن روحٌ ونور، روحٌ للحياة، ونورٌ للطريق،
حياة الإنسان وطريقه، وحياة الأمة وطريقها،
فهو يخرج الإنسان والأمة من ظلمات الشرك والكفر، والجهالةِ والعصيان، إلى نور الإيمان، والعلم والطاعة للواحد الديَّان،
ثم إنَّ هذا القرآن كتابُ حكمٍ وتشريع، يشملُ جميع شؤون الحياة، بدءاً من حياة المواليد الرضع، وانتهاءً بالموت وأحكامه الشرعية، وفيما بين ذلك يشملُ الأمور العبادية،
ثم إنَّ هذا القرآن كتاب عقيدةٍ خالصة صافية، فيها البيان الحق لكلِ ما وراء الغيب
، مما تعلق بالله تعالى، وأسمائه، وصفاته، وربوبيته، وألوهيته،وما يتعلق بخلقه للسموات والأرض، والإنسان ونشأته، وما يتعلقُ بالإيمان بالملائكة والكتب والرسل، واليوم الآخر، وما يتعلق بما يضاد ذلك من الكفر والشرك والنفاق، ودلائل الربوبية، والألوهية والنبوات، وإعجاز هذا القرآن،
وهو كتاب عبادة،يتعبد الإنسان بقراءتهِ وتلاوتهِ وحفظه،ويتقرب إلى الله تعالى بذلك،
فهو نورُ قلوب العارفين والعابدين، يتلونهُ آناءَ الليل وأطراف النهار، ويعلمونه ويتعلمونه،كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(خيركم من تعلم القرآن وعلمه)صحيح البخاري،
ثم هو حبل الله المتين في مواجهة أعداء الإسلام، المتربصين بأمة الإسلام،
حيث لا يرقبون فيها إلَّا ولا ذمة، فهذا القرآن يعلمُ الأمة حقيقة المعركة مع عدوها، ويبينُ لها أهدافها من جانب أعدائها، ثم هو يمدها بوسائل النصر،إنَّ هذا القرآن معتصم هذه الأمة في جميع أحوالها،ولأنَّ القرآن حق وصدق، لأنَّه من عند الله الحكيم العليم، ففيه لفتات عظمى في نواحٍ متعددة،علمية، أو طبية، أو اجتماعية، أو نفسية، أو غيرها،
اللهم احفظنا بالقرآن وإجعله شافع لنا نوراً يارب العلمين
اللهم نسألك بأسمك الأعظم الذي اذا دعوت به إجبت أن تحفظنا
اللهم أحفظنا من بين أيدينا.