النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: رئيس تونس الاسبق منصف المرزوقي: كورونا وأخواتها

  1. #1
    تميم المجد الصورة الرمزية رجل تعليم
    رقم العضوية
    26643
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    6,199

    رئيس تونس الاسبق منصف المرزوقي: كورونا وأخواتها

    بداية الستينيات كنتُ تلميذا في المعهد الثانوي الفرنسي بمدينة طنجة المغربية. وأذكر يوما استثنائيا وقفنا وسط جمع من التلاميذ وكأنّ على رؤوسنا الطير، وكنا نناقش أستاذ الرياضيات في بهو المعهد -بعد أن عُلّقت كل الدروس- بشأن ما الذي يتعيّن علينا توقعه وفعله عندما تندلع الحرب الذرية بين الروس والأميركان.

    كان العالم آنذاك يعيش أخطر أزمة بعد فرض أميركا الحصار على كوبا وعزم السوفيات على كسره بالقوة، وبدأ الناس حولنا يُخزّنون المؤونة تماما كما نراهم يفعلون اليوم. تنفّسْنا الصعداء ونحن نسمع أن الأسطول الروسي المتّجه لكوبا عاد أدراجه؛ فالعالم -الذي عاش فعلا على حافة الهاوية- سيتواصل مكانا نعود فيه إلى دراسة الرياضيات.
    كان علينا بعد هذه "الفجعة" أن نتحمل طيلة عقدين ما لا يُحصى ولا يعد من أفلام نهاية العالم، كلها تصف الحرب النووية القادمة، وكيف سنعيش بين ركام المدن نتقاتل على آخر جيفة. وفي الثمانينيات تحوّل هاجس الخوف إلى وباء نقص المناعة المكتسب.
    أذكر مقالا في مجلة طبية يدلّل فيه زميل محترم على أن نهاية البشرية بالوباء ستكون في أجَل أقصاه سنة… ألفين. في تلك الفترة كنت أدرّس في كلية الطب بمدينة سوسة وأرأس قسم الطب الجماعي الذي كان يتابع تطور المرض، وعندما عَيّنت لطالب موضوع رسالة الدكتوراه حول مواقف وتصرفات الجمهور تجاه المرض والمرضى، كِدت أطلب منه -بعدما عاد إليّ بالنتائج- عدم نشر المعطيات لهول ما اكتشفنا.
    كان الداء في عقول أغلبية البشر العاديين وهم يدْعون لتنفيذ أقصى أنواع العزل على المصابين، لا بل ذهب البعض منهم إلى المطالبة بقتلهم. والأغرب كان موقف السلطات آنذاك، وقد سنّت قانونا -عارضتُه بمنتهى الشدة- يجيز سجن المرضى إلى أن يتماثلوا للشفاء، والحال أنه لم يكن لدينا إذ ذاك أي علاج.
    ثم هاجمَنا هاجسُ دخول سنة الألفين وكيف ستتوقف كل الحواسيب عن العمل، لخلل في برمجتها لم يأخذ بالحسبان المرور من القرن العشرين للقرن الحادي والعشرين. كم صدّعوا رؤوسنا بهذه القصة، وكيف ستحط الطائرات فوق الأشجار، وتصاب محطات الكهرباء بالشلل… إلخ! كم من الناس عاشوا ليلة المرور إلى سنة 2000 وهم يتوقعون سقوط السماء على رؤوسهم!
    حدِّث ولا حرج عن خوف التحول المناخي والبرنامج حسب البعض دخولنا مرحلة الانقراض السادس وفناء الجنس البشري بعد أن أصبحت الأرض غير قابلة لإيواء غير النمل والصراصير.
    لنضع التواريخ جنبا إلى جنب: 1962 أزمة صواريخ كوبا؛ 1980 بداية أزمة نقص المناعة المكتسب؛ 1999 رعب توقف الحواسيب؛ 2020 أزمة كورونا فيروس الحالية. ثَمة إذن تقريبا كل عشرين سنة أزمة ضخمة تختلف عن كل ما عرفه التاريخ من أزمات، بما أن آثارها لم تعد محلية أو إقليمية وإنما تشمل البشرية والعالم.
    والآن دقّق النظر في العشرين سنة الأخيرة، وستكتشف أنها شهدت تفجر ثلاثة تهديدات كبرى على الصحة العالمية: وباء سارس سنة 2002؛ ووباء ميرس سنة 2012؛ ووباء إيبولا سنة 2013.
    لكي تتضح الصورة كاملة؛ فإنه لا يبقى عليك إلا وضع هذه الأزمات السياسية والصحية في الإطار الأوسع، أي الأزمة الخانقة التي يمرّ بها الكوكب وأساسا الحرائق الكبرى (Méga feu): البرتغال 2017؛ السويد، كاليفورنيا 2018؛ البرازيل، الكنغو، روسيا 2019؛ أستراليا 2020.
    عندما تضع كل هذه الوقائع جنبا إلى جنب باحثا عن القاسم المشترك بينها؛ فستكون كمن يتفحص ظاهرة بوجهين: تسارع التاريخ، وما أسميتُه في كتاب صدر لي سنة 1986 بعنوان ‘دع وطني يستيقظ‘ (موجود على موقعي): « تصاعد قيمة الرهان ».
    ليس من باب المبالغة أو المباهاة القول إنه لا يوجد جيل -من بين آلاف الأجيال التي تعاقبت على سطح الأرض منذ مئات آلاف السنين- أكثر حظّا من الجيل الذي أنتمي إليه. كيف لا وجيلي هو الذي شاهد بأم عينيه دقيقة بعد دقيقة نزول أول إنسان على سطح القمر، وأول مسبار على سطح المريخ، ولا أتحدث عما عاشه من ثورة في ميادين العلم والتكنولوجيا والصناعة والمواصلات ووسائل الاتصال.
    إنها ضربة حظ بمثابة حضور اكتشاف النار، ثم انطلاقة الثورة الزراعية، ثم الثورة الصناعية في عمر بقصر عمر الإنسان. ولمزيد من إغداق نِعَمها على جيلي؛ جعلته الإرادة الإلهية أو صدف التاريخ يعيش أحداثا لا تكاد تصدّق، من منظار مؤرّخ يتابع تطور الأنظمة السياسية والمجتمعية.
    ففي هذه العقود السبعة التي عشتُها؛ شاهدت انهيار الإمبراطوريات الاستعمارية الفرنسية والإنجليزية، وانهيار الإمبراطورية السوفياتية وانحسار الشيوعية وتقدم الديمقراطية وأفول نجم الغرب، وتراجع النظريات العنصرية وانتخاب رئيس أسود في أميركا، واكتساب النساء جلّ حقوقهن، ناهيك عن صدور أول وثيقة تُجمِع عليها البشرية بأكملها، ألا وهي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
    كأنّ الزمان الذي كان بحاجة لمئات الآلاف من السنين للمرور من الحضارة الأولى المبنية على اكتشاف النار، إلى الحضارة الثانية التي بُنيت على الثورة الزراعية، واحتاج لعشرة آلاف سنة للمرور للثورة الصناعية التي مثلت الحضارة الثالثة؛ اكتفى ببضعة عقود للمرور إلى الحضارة الرابعة، حضارة المعلومات التي نعيش تسارعها هي الأخرى. ولا أحد يعرف ما هي ملامح الحضارة الخامسة ولا على أي ثورة جديدة ستبني دعائمها؛ والمؤكّد الوحيد هو أننا على أعتابها.
    إن الوجه الآخر للظاهرة هو ما أسميته « تصاعد قيمة الرهان ». لماذا لم تتغلب الأجيال الماضية على الفقر والمرض كما نجحت في ذلك الأجيال الجديدة؟ لم تكن أغبى أو أقل إنسانية منا ولكن إمكانياتها كانت محدودة. لماذا لم تخرّب الأجيال الماضية الكوكب كما نخرّبه اليوم؟ لم تكن أذكى أو أطيب من الأجيال الجديدة لكن إمكانياتها كانت محدودة.
    القاعدة أن الطفرة العلمية والتكنولوجية -التي ميزت القرنين الأخيرين عن مئات آلاف سنين تاريخ البشرية- رفعت الفعالية في القدرة على البناء إلى أعلى الدرجات، كما أوصلت نفس القدرة على الهدم إلى مستويات مرعبة.
    div class="_aok _7i2m" tabindex="0" aria-label="رئيس تونس الاسبق منصف المرزوقي: كورونا وأخواتها بداية الستينيات كنتُ تلميذا في المعهد الثانوي الفرنسي بمدينة طنجة المغربية. وأذكر يوما استثنائيا وقفنا وسط جمع من التلاميذ وكأنّ على رؤوسنا الطير، وكنا نناقش أستاذ الرياضيات في بهو المعهد -بعد أن عُلّقت كل الدروس- بشأن ما الذي يتعيّن علينا توقعه وفعله عندما تندلع الحرب الذرية بين الروس والأميركان. كان العالم آنذاك يعيش أخطر أزمة بعد فرض أميركا الحصار على كوبا وعزم السوفيات على كسره بالقوة، وبدأ الناس حولنا يُخزّنون المؤونة تماما كما نراهم يفعلون اليوم. تنفّسْنا الصعداء ونحن نسمع أن الأسطول الروسي المتّجه لكوبا عاد أدراجه؛ فالعالم -الذي عاش فعلا على حافة الهاوية- سيتواصل مكانا نعود فيه إلى دراسة الرياضيات. كان علينا بعد هذه "الفجعة" أن نتحمل طيلة عقدين ما لا يُحصى ولا يعد من أفلام نهاية العالم، كلها تصف الحرب النووية القادمة، وكيف سنعيش بين ركام المدن نتقاتل على آخر جيفة. وفي الثمانينيات تحوّل هاجس الخوف إلى وباء نقص المناعة المكتسب. أذكر مقالا في مجلة طبية يدلّل فيه زميل محترم على أن نهاية البشرية بالوباء ستكون في أجَل أقصاه سنة... ألفين. في تلك الفترة كنت أدرّس في كلية الطب بمدينة سوسة وأرأس قسم الطب الجماعي الذي كان يتابع تطور المرض، وعندما عَيّنت لطالب موضوع رسالة الدكتوراه حول مواقف وتصرفات الجمهور تجاه المرض والمرضى، كِدت أطلب منه -بعدما عاد إليّ بالنتائج- عدم نشر المعطيات لهول ما اكتشفنا. كان الداء في عقول أغلبية البشر العاديين وهم يدْعون لتنفيذ أقصى أنواع العزل على المصابين، لا بل ذهب البعض منهم إلى المطالبة بقتلهم. والأغرب كان موقف السلطات آنذاك، وقد سنّت قانونا -عارضتُه بمنتهى الشدة- يجيز سجن المرضى إلى أن يتماثلوا للشفاء، والحال أنه لم يكن لدينا إذ ذاك أي علاج. ثم هاجمَنا هاجسُ دخول سنة الألفين وكيف ستتوقف كل الحواسيب عن العمل، لخلل في برمجتها لم يأخذ بالحسبان المرور من القرن العشرين للقرن الحادي والعشرين. كم صدّعوا رؤوسنا بهذه القصة، وكيف ستحط الطائرات فوق الأشجار، وتصاب محطات الكهرباء بالشلل... إلخ! كم من الناس عاشوا ليلة المرور إلى سنة 2000 وهم يتوقعون سقوط السماء على رؤوسهم! حدِّث ولا حرج عن خوف التحول المناخي والبرنامج حسب البعض دخولنا مرحلة الانقراض السادس وفناء الجنس البشري بعد أن أصبحت الأرض غير قابلة لإيواء غير النمل والصراصير. لنضع التواريخ جنبا إلى جنب: 1962 أزمة صواريخ كوبا؛ 1980 بداية أزمة نقص المناعة المكتسب؛ 1999 رعب توقف الحواسيب؛ 2020 أزمة كورونا فيروس الحالية. ثَمة إذن تقريبا كل عشرين سنة أزمة ضخمة تختلف عن كل ما عرفه التاريخ من أزمات، بما أن آثارها لم تعد محلية أو إقليمية وإنما تشمل البشرية والعالم. والآن دقّق النظر في العشرين سنة الأخيرة، وستكتشف أنها شهدت تفجر ثلاثة تهديدات كبرى على الصحة العالمية: وباء سارس سنة 2002؛ ووباء ميرس سنة 2012؛ ووباء إيبولا سنة 2013. لكي تتضح الصورة كاملة؛ فإنه لا يبقى عليك إلا وضع هذه الأزمات السياسية والصحية في الإطار الأوسع، أي الأزمة الخانقة التي يمرّ بها الكوكب وأساسا الحرائق الكبرى (Méga feu): البرتغال 2017؛ السويد، كاليفورنيا 2018؛ البرازيل، الكنغو، روسيا 2019؛ أستراليا 2020. عندما تضع كل هذه الوقائع جنبا إلى جنب باحثا عن القاسم المشترك بينها؛ فستكون كمن يتفحص ظاهرة بوجهين: تسارع التاريخ، وما أسميتُه في كتاب صدر لي سنة 1986 بعنوان ‘دع وطني يستيقظ‘ (موجود على موقعي): "تصاعد قيمة الرهان". ليس من باب المبالغة أو المباهاة القول إنه لا يوجد جيل -من بين آلاف الأجيال التي تعاقبت على سطح الأرض منذ مئات آلاف السنين- أكثر حظّا من الجيل الذي أنتمي إليه. كيف لا وجيلي هو الذي شاهد بأم عينيه دقيقة بعد دقيقة نزول أول إنسان على سطح القمر، وأول مسبار على سطح المريخ، ولا أتحدث عما عاشه من ثورة في ميادين العلم والتكنولوجيا والصناعة والمواصلات ووسائل الاتصال. إنها ضربة حظ بمثابة حضور اكتشاف النار، ثم انطلاقة الثورة الزراعية، ثم الثورة الصناعية في عمر بقصر عمر الإنسان. ولمزيد من إغداق نِعَمها على جيلي؛ جعلته الإرادة الإلهية أو صدف التاريخ يعيش أحداثا لا تكاد تصدّق، من منظار مؤرّخ يتابع تطور الأنظمة السياسية والمجتمعية. ففي هذه العقود السبعة التي عشتُها؛ شاهدت انهيار الإمبراطوريات الاستعمارية الفرنسية والإنجليزية، وانهيار الإمبراطورية السوفياتية وانحسار الشيوعية وتقدم الديمقراطية وأفول نجم الغرب، وتراجع النظريات العنصرية وانتخاب رئيس أسود في أميركا، واكتساب النساء جلّ حقوقهن، ناهيك عن صدور أول وثيقة تُجمِع عليها البشرية بأكملها، ألا وهي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كأنّ الزمان الذي كان بحاجة لمئات الآلاف من السنين للمرور من الحضارة الأولى المبنية على اكتشاف النار، إلى الحضارة الثانية التي بُنيت على الثورة الزراعية، واحتاج لعشرة آلاف سنة للمرور للثورة الصناعية التي مثلت الحضارة الثالثة؛ اكتفى ببضعة عقود للمرور إلى الحضارة الرابعة، حضارة المعلومات التي نعيش تسارعها هي الأخرى. ولا أحد يعرف ما هي ملامح الحضارة الخامسة ولا على أي ثورة جديدة ستبني دعائمها؛ والمؤكّد الوحيد هو أننا على أعتابها. إن الوجه الآخر للظاهرة هو ما أسميته "تصاعد قيمة الرهان". لماذا لم تتغلب الأجيال الماضية على الفقر والمرض كما نجحت في ذلك الأجيال الجديدة؟ لم تكن أغبى أو أقل إنسانية منا ولكن إمكانياتها كانت محدودة. لماذا لم تخرّب الأجيال الماضية الكوكب كما نخرّبه اليوم؟ لم تكن أذكى أو أطيب من الأجيال الجديدة لكن إمكانياتها كانت محدودة. القاعدة أن الطفرة العلمية والتكنولوجية -التي ميزت القرنين الأخيرين عن مئات آلاف سنين تاريخ البشرية- رفعت الفعالية في القدرة على البناء إلى أعلى الدرجات، كما أوصلت نفس القدرة على الهدم إلى مستويات مرعبة. تصوّر مقامرا تتزايد خبرته في اللعب بسرعة مذهلة، لكنه يلاعب عالما همّه الأول التوازن لا يعطي بال"تصوّر مقامرا تتزايد خبرته في اللعب بسرعة مذهلة، لكنه يلاعب عالما همّه الأول التوازن لا يعطي بال

  2. #2
    تميم المجد الصورة الرمزية سالم الزهران
    رقم العضوية
    49581
    تاريخ التسجيل
    Mar 2016
    الدولة
    نيس نيبورهود
    المشاركات
    13,857
    سبحان الله، وفق جناب الرئيس المنصف في اختيار عنوان يوحي بالمضمون، كما وفقت انت استاذ سعيد في النقل والمشاركة،، غير ان النص بدا لي مكرر وارجو التعديل.

    حفظكم الباري

    اللهــــــم ارحم أخي فايز واسكنه فسيح جناتك وسائر أموات المسلمين

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •