بسم الله الرحمن الرحيم





يبدو أمر منع تعليق صلوات الجماعة، والجمعة، والتراويح في رمضان، أمرًا مُستفزًّا للبعض في بعض الدول العربيّة، والإسلاميّة، وقد يكون تفشّي فيروس كورونا، أمرًا غير مُقنع للعديد من مُواطني الدول الإسلاميّة، حيث عبّر العديد منهم عن امتعاضهم من إغلاق المساجد، وبالرغم من الحملات الدينيّة، والتوعويّة، التي جرى بثها في العديد من الدول العربيّة والإسلاميّة، إلى جانب التحذيرات الطبيّة المُتوالية، والتي تتحدّث عن خُطورة تناقل “كوفيد 19” بين المُصلّين، وجدليّة أنّ الوضوء بدون صابون، لا يمنع بقاء الفيروس على الأيدي حوالي العشرة دقائق، المُدّة التي قدّرها الخُبراء لبقاء الفيروس التاجي على اليدين.
أمام هذا المشهد الفيروسي الخطير، صادف حُلول شهر رمضان أوّل يوم، الجمعة، حيث مشهد هذا اليوم مُختلفٌ بصلاته وخطبته، إضافةً إلى صلاة التراويح، والتي حُرِم منها المُسلمون حول العالم، عدا باكستان، ومالي، ضمن ضوابط وشُروط تسمَح بإقامة التراويح، فيما فرضت باقي الحُكومات الإسلاميّة منعاً تامّاً لإقامة الصلوات، فيما لا تزال تُطرح تساؤلات حول سماح بعض تلك الدول بعودة الحياة إلى طبيعتها تدريجيّاً، والإصرار على “إغلاق المساجد”، مع أنّ الأخيرة سجّادها لوحده قد يكون الناقل الأخطر للفيروس القاتل بحسب خُبراء صحّة.
المشهد القادم من باكستان، يبدو أنه وقع رهينة “الجماعات الدينيّة” المُتشدِّدة، والتي فرضت إيقاعها على حكومة البلاد، ورئيسها، بل إنّ رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان أعلنها صراحةً، بأنّه لن يمنع التجمّعات داخل المساجد خلال شهر رمضان، ما لم يتم انتهاك أي من الخطوط التوجيهيّة التي “اتّفق عليها مع رجال الدين”، وهو ما عرّضه لانتقادات من القطاع الطبّي، والذي يعي بدوره تماماً خُطورة التجمّعات، بشكلها الديني، وغيره، فالفيروس لا يُفرِّق بين مُصلٍّ، ومُتسوِّق في التجمّعات والحُشود.
رئيس الوزراء عمران خان، ومن خلفه رئيس البلاد عارف علوي، يبدو أنّهما فضّلا الاصطدام بمُخاطرة انتقال الفيروس ضمن تجمّعات الصلوات، وإن كان بتدابير احترازية، على الاصطدام والمُخاطرة مع امتعاض وغضب الجماعات الدينيّة، حيث كانت قد أكّدت تلك الجماعات خلال لقاء جمعهم مع خان وعلوي، “على ضرورة أداء صلاة التراويح طِوال شهر رمضان، مع مُراعاة التدابير اللازمة”، وهو ما جرى بالفِعل تطبيقه، حيث شهدت مساجد باكستان أوّل صلوات تراويح هذا العام.
وحاولت الحُكومة الباكستانيّة، فرض قيود صارمة على منع صلاة الجماعة في المساجد، عصفت بها فيما يبدو رياح رمضان والتراويح أخيرًا، وأمام واقع تسجيل 11 ألف حالة إصابة في الجمهوريّة الإسلاميّة، ووفاة 273 بالفيروس، بدا أنّ حقيقة الجمع الديني وحتى المُتشدِّد له كلمته العُليا، التي دفعت الحُكومة ورئيسها إلى التّسليم بواقع سيطرتهم على تفاصيل الحياة العامّة، حيث عدد المُسلمين في باكستان هو الأكبر بعد إندونيسيا، حيث يُشكِّل المُسلمون 97 بالمئة من السكّان.
ومع تضخّم عدد الإصابات، يذهب كثيرون إلى القول، أنّ الحكومة الاتحاديّة الباكستانيّة، تُدرك وتعي تحذيرات الأطبّاء التي تقول بأن باكستان لا تزال على مسافة ستّة أسابيع من ذورة إصابات كورونا، ومع هذا سمحت بإزالة القيود، وفتح المساجد، لإدراكها بأنّ مُواصلة منع الصلوات، قد يُؤدِّي إلى صدام دموي ديني معها، قد يُخلِّف ربّما إصابات وقتلى، أكثر مما سيُخلّفه الفيروس، في بلدٍ أساساً اسمه الرسمي “جمهوريّة باكستان الإسلاميّة”، ويتقيّد غالبيّة شعبه المُسلم في مُعظمه، بالتقاليد والقيم الإسلاميّة، وهو ما يزيد من صُعوبة إقناعه التخلّي عن أركان دينه، والصلاة التي هي عمادها، حتى وإن كان “المُصاب جللاً كورونيّاً”.
وتخوض الحكومة الباكستانيّة، صراعاً طويلاً، مع جماعات إسلاميّة مُتشدِّدة، يُوجّه للحُكومة نفسها غربيّاً بأنّها احتضنتهم، وكانت ملاذًا آمناً لهم، كتنظيم القاعدة، وحركة طالبان، إلى جانب العديد من التنظيمات السلفيّة المُتشدّدة، التي أعلن بعضها مُبايعته، أو تبنّيه، لأفكار تنظيم “الدولة الإسلاميّة”، وليس من المُستبعد أن تستغل هذه الجماعات فيروس الكورونا، والإجراءات الاحترازيّة المُتّبعة، لخلق حالة من الفوضى، وعدم الاستقرار، والدخول من ثغرة تعليق الصلاة، رغم كونه إجراء صحّي، لا يحمل أبعادًا سياسيّة، واجتماعيّةً، ولكن قد يكون من الأسهل وفق مراقبين، اختراق المُجتمعات الأكثر إسلاميّة، وتشدُّدًا، والتحريض على الحُكومة والدولة فيها، وسط تحذيرات دوليّة من عودة تلك التنظيمات من بوّابة انشغال دول العالم، بمُواجهة الفيروس التّاجي.
وأمام هذه المُعضلة الدينيّة التي فرضت على السلطات الباكستانيّة، إيقاعها، اضطرّت السلطات إلى اتّخاذ عدد من الإجراءات الاحترازيّة، فاشترطت ارتداء الكمّامات، وفرضت على المُصلّين قواعد التّباعد الاجتماعي، عبر رسم حدود جلوس كُل مُصلّي كما أظهرت الصور القادمة من هُناك، كما أزالت السجّاد من المساجد، وقيّدت أعداد المُصلّين في المساجد المُغلقة، وقامت بقياس درجة حرارة زوّار المسجد، وألزمت المُصلّين بغسل أيديهم على أبواب المساجد، ومنعت الأطفال من الدخول، وهذه الخطوات الاحترازيّة من شأنها أن تزيد الضغط على سلطات باكستان، وتُضاعف جُهودها في مُواجهة الفيروس الذي لم يصل لذروته بعد بحسب تحذيرات الأطبّاء الباكستانيين، وتُشتّتها بواقع مُحاولات رفع الجهوزيّة في المساجد، والتي كان يُمكن ببساطة إغلاقها وسط الحجر العام المفروض في باكستان عُموماً، لتجنيب البلاد والعباد كارثة تجمّعاتها، والتي سيَجِد فيها “كوفيد 19″، ضالّته، وتُحدث جدلاً وانقساماً محليّاً حول إعادة فتحها، بين أصحاب النظريّة الدينيّة، والطبيّة.
رئيس الوزراء خان، يُحاول الاستماع لكُل وجهات النظر الطبيّة والدينيّة، ويُحاول كما يرصد مُعلّقون، مسك العصا من المُنتصف حين يفتتح المساجد لصلاة الجماعة والتراويح ضمن الاحتراز، ولعلّه حتى بالأكثر يترك على عاتق الجماعات الدينيّة التي التقاها، مسؤوليّة تحمّل قراره عدم منع التجمّعات خلال رمضان، وضمن ما وصفها بالخُطوط التوجيهيّة التي اتّفق معهم عليها، وأيّ تقصير منهم في حال ازدياد حالات الإصابة بالفيروس، سيكون عليهم مُواجهة الأمر الواقع، الذي حذّر منه الأطبّاء، ودعا أطبّاء الخكومة مُراجعة القرار الذي يسمح بصلاة الجماعة، ويُطلق للفيروس العنان، بحيث لا يُمكن السيطرة عليه.
في المُقابل، يرى مُنتقدون لخطوة الرئيس خان، استجابةً سريعةً لإرادة الجماعات الدينيّة، والتي قد تُظهِر حُكومته موضع الضّعيف، وعدم المُسيطِر، فرئيس حُكومة إقليم السند جنوبي البلاد، مراد علي شاه، كان أكثر صرامةً من رئيس حُكومة بلاده، وأعلن صراحةً عدم السّماح بأيّ تجمّعات دينيّة على وقع تحذيرات الأطبّاء، وأكّد علي شاه في رسالةٍ مُصوّرةٍ أُذيعت على التلفزيون، بأنّه لن يسمح مُطلقاً بأيّ مُخاطرة، عبر المُوافقة على التجمّات الدينيّة، وأن يُؤدِّي الناس الصلاة في منازلهم، وهو ما قد يفتح الباب على حالةِ تَذبذُبٍ في الأقاليم، والامتِثال لقرارِ رئيس الحُكومة المركزيّة من عدمه، ويُعيد التّساؤلات حول أسباب صوابيّة قراره، والمُقامرة بانهيار النظام الصحّي في باكستان لأبعادٍ دينيّة، وهو ما حذّر منه مراد علي شاه رئيس إقليم السند، وبالرغم من أن قواعد التباعد الاجتماعي التي فرضها خان، قد نجحت في تقليل أعداد المُصلّين مُقارنةً بأعداد السنة الماضية.