أسباب حجب حقوق المتقاعدين


Facebook Twitter Whatsapp Telegram
392
بعد تحليل كامل لضياع حقوق المتقاعدين في قطر، قام الكثير من الأصدقاء والقراء باقتراح أن أنهي ما بدأته بعقد مقارنات بين الوضع في قطر وما عليه وضع المتقاعدين في دول أخرى. طبعاً لم أوافق على عقد المقارنة، فمن وجهة نظري، فإن نظام التقاعد في قطر، مع ما يعتريه من شوائب وعلل، هو أفضل بكثير مما عليه الوضع في الدول الأخرى، وهذا شيء نحمد الله عليه ونشكره. ثاني شيء أن قطر ليست قابلة للمقارنة مع الدول الأخرى التي تختلف معها في أسس المعايير. صحيح أنني قمت بنشر خمس مقالات عن حقوق المتقاعدين المهدورة، وصحيح أنني لم أتلق أي ردة فعل من قبل الجهات المسؤولة، بل وجدت أن هناك صمتاً هائلاً لدرجة أنهم لم يعلقوا على الموضوع. هذا الأمر يقودنا للتساؤل: لماذا؟ وتبادر في تفكيري سببان لا ثالث لهما، وهما: 1- إما أن دولة قطر تعاني عجزاً مالياً. أو 2- أن المسؤولين لا يهمهم وضع المتقاعدين.

أولاً: هل دولة قطر تعاني من عجز مالي؟: ربما يجد غير المتخصص أن قطر، بسبب أسعار النفط المنخفضة، ومشاريع البنية التحتية، والتزامات التحضير لكأس العالم 2022، قد تعاني من عجز مالي كبير، وهي بهذا لا تستطيع الالتزام بأي نفقات إضافية قد لا تستطيع الإيفاء بها أمام الشعب مستقبلاً. وهذا الكلام غير صحيح بالمرة. إن قدرات قطر المالية كبيرة جداً، ولقد أكد سعادة السيد علي شريف العمادي وزير المالية "أن الاقتصاد القطري قوي في مواجهة التحديات التي تفرضها المرحلة الحالية بفضل المراكز المالية التي تستحوذ عليها، والتي تتمثل في الاحتياطيات النقدية، والاستثمارات من خلال جهاز قطر للاستثمار، والصناديق الأخرى". وأضاف سعادته في تصريحه لشبكة "سي إن بي سي" "إلى أن تلك الاحتياطيات والاستثمارات تمثل أكثر من 250% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن الناتج المحلي تجاوز 200 مليار دولار، إضافة إلى توفر السيولة المحلية عند مستويات عالية". وفي بداية الحصار، عام 2017، نجد أن قطر كانت تمتلك 2ر1 تريليون ريال قطري أصولاً لجهاز قطر للاستثمار بجانب نصف تريليون سيولة محلية، ولك أن تتخيل أيها القارئ الثروة الهائلة التي أتت مع التوسع في مشاريع إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي (قطر تمتلك 20 % من الاحتياطي العالمي للغاز الطبيعي). والحمد لله أن سمو الأمير المفدى قد اختار وزيراً للمالية على جانب كبير من الكفاءة، ففي عمله حقق المستحيل. ففي الموازنة العامة لعام 2018، على سبيل المثال، كانت التقديرات تشير إلى وجود "عجز مالي" بالموازنة يقدر بأكثر من 28 مليار ريال قطري، ولكن عندما انتهت تلك السنة، وتم عمل الحساب الختامي الفعلي لها، وجدنا أن الموازنة العامة قد حققت "فائضاً مالياً" أعلى من 15 مليار ريال قطري، بدون أن تتأثر المشاريع التي تقوم بها الدولة، أو الاستثمارات التي تتوسع بها، أو المساعدات التي تمولها لدول العالم. وهذا الفائض انعكس على الموازنات العامة لعامي 2019 و2020، والتي أصبحت به دولة قطر هي الدولة الوحيدة من دول الخليج التي لا تعاني من أي عجز في الموازنات العامة. ومما سبق يتضح أن دولة قطر لا تعاني من عجز مالي، أياً كان شكله، وأن قطر قادرة، من خلال الأصول التي تمتلكها، ومن خلال تنويع استثماراتها، ومن خلال الموارد الطبيعية التي حباها الله، في تمويل، والاستمرار في تمويل أي مصاريف حالية أو مستقبلية، وما نراه من استمرار النمو والتنمية في داخل قطر وخارجها، ومن برامج تمويل وبرامج الأمم المتحدة، بجانب مساعدة الدول التي تعاني، لهو خير دليل على قدرة وقوة دولة قطر المالية.

ثانيا: المسؤولون لا يهمهم وضع المتقاعدين: لقد وجدت أن المسؤولين، أصحاب القرار، غير مهتمين بإصلاح الوضع، لأن قانون التقاعد الظالم لا يشملهم، ولا يقرب من حقوقهم المالية بعد خروجهم من المنصب. فالوزراء لهم قانون تقاعد خاص بهم، وهو القانون رقم (21) لسنة 2004 بشأن الوزراء. والملاحظ أن الوزير لا يدفع أي نسبة من راتبه لصندوق التقاعد، لأنهم ببساطة، يتبعون لصندوق آخر ليست له علاقة بصندوق تقاعدنا. صندوق متضخم بالأموال التي لا تنضب. وحددت المادة (23) من القانون "أن الوزير يستحق عند نهاية خدمته مكافأة عن كامل مدة خدمته الوزارية بمعدل راتب "اثني عشر شهراً" عن كل سنة، بشرط ألا تقل مدة شغله للمنصب عن سنتين". أما المادة (24) فقد ذكرت "أن الوزير يستحق عند انتهاء خدمته، معاشاً شهرياً يعادل راتبه الأساسي، وفي حالة الوفاة، يصرف المعاش للمستحقين عنه". هل عرفتم الآن لماذا لا يهتم المسؤولون في تصحيح وضع المتقاعدين؟ وهل عرفتم لماذا لا يشعر المسؤولون بما يعانيه ويكابده المتقاعد القطري؟ لكن لو أن قانون تقاعدنا يشمل الوزراء لرأيت منهم المسارعة في تصحيح الوضع للأفضل، ولأصبح قانون التقاعد القطري لا يحتوي على أية شوائب أو علل. لهذا فلا تتعجبوا من أمر الصمت الهائل وعدم المبالاة بما كتبناه عن المتقاعدين في المقالات السابقة، علماً بأن المسؤول أقسم بالله العظيم أمام سمو الأمير المفدى، بأن "يرعى مصالح الشعب رعاية كاملة"

وفي الختام نقول إن كل من يتحجج بأن قطر ما عندها فلوس فهو يعيش بعيداً عن الحقيقة، ولا يملك أي معلومات عن الواقع المالي لدولة قطر. ولقد تأكد لنا، كما ورد بالمقال، أن المشكلة تكمن أساساً في قناعة المسؤولين في تصحيح الوضع، وهم للأسف ليس لديهم ما يفقدونه إذا الوضع استمر على ما هو عليه. الشيء العجيب أننا في دولة صغيرة المساحة قليلة في عدد مواطنيها، ومع ذلك نجد ثلاثة أنظمة للتقاعد: نوع منها لا يدفع اشتراكات ومع ذلك له نصيب الأسد، وهؤلاء هم الوزراء. ونوع يدفع اشتراكات لمدة 20 سنة، وهو في وضع أحسن حالاً من النوع الثالث، وهذا هو الموظف العسكري. أما الذي يدفع اشتراكات من يوم تعيينه حتى خروجه من العمل، فهو الذي يعاني أشد المعاناة، وهذا هو الموظف المدني. إن وجود مثل هذه القوانين المختلفة التي تطبق على المواطنين، لهو خروج حقيقي على الدستور، وبخاصة ما ورد في الباب الثاني "المقومات الأساسية للمجتمع"، وما ورد في الباب الثالث "الحقوق والواجبات العامة".

والله من وراء القصد،،

الدكتور محمد بن علي الكبيسي
m.kubaisi@gmail.com