اطلعت مؤخرًا على تحقيق صحفي أجرته الكاتبة في جريدة الوطن الأستاذة آمنة العبيدلي، ونشر في العدد (9419) يوم الخميس الموافق 17 يونيو 2021م، وكان عنوان التحقيق: "الزواج من غير القطريات خروج عن العادات"، وذكرت الكاتبة أن لهذا الزواج أثرًا على ثقافة الأسر وولاء أفرادها للوطن، ووصفت هذا الزواج بأنه عبء، وذكرت أنها استطلعت آراء مجموعة من المواطنين حول هذا الأمر. وأود في هذه السطور أن أعلق على ما ورد في هذا التحقيق ليتبين السبب الذي دعاني لوصفه بالأعرج.

أولًا: وصف هذا الموضوع بأنه "تحقيق صحفي"، والتحقيق الصحفي كما يعرف "يقوم على خبر أو فكرة أو مشكلة أو قضية يلتقطها الصحفي من المجتمع الذي يعيش فيه، ثم يقوم بجمع مادة الموضوع بما يتضمنه من بيانات أو معلومات أو آراء تتعلق بالموضوع، ثم يجمع بينها في محاولة التوصل إلى الحل الذي يراه صالحاً لعلاج المشكلة أو القضية أو الفكرة التي يطرحها"، أي أن التحقيق يتطلب وجود مشكلة ظاهرة أو قضية ذات أثر في المجتمع، ويقوم بجمع الآراء والمعلومات المتعلقة بها وتقديم الحلول لهذه المشكلة. والسؤال هنا: هل هناك بالفعل مشكلة في المجتمع بسبب الزواج من غير القطريات؟ وإن كان الجواب نعم، ما هو مصدر هذه المعلومة؟ حيث لم يرد في التحقيق ما يشير إلى مصدر لهذه المعلومة، ولم يعمل التحقيق أصلًا على استقصاء المعلومات المتعلقة بالموضوع من مصادرها. الأمر الآخر أن التحقيق تناول رأيًا واحدًا ولم يلتفت للرأي الآخر وكأنه غير موجود، الأمر الذي يُفقِد التحقيق مصداقيته ويظهر أنه متوجه لإثبات موقف متخذ مسبقًا.

ثانيًا: وصف التحقيق الزواج من غير القطريات بأنه "خروج عن العادات" وهو وصف فيه مجازفة سببها عدم اتباع منهجية التحقيق الصحفي، إذ يرد تساؤل للقائمين على التحقيق: ما هي العادات التي خالفها من يتزوج من غير القطريات؟ حيث يشهد تاريخ المجتمع القطري القديم والحديث زواج القطريين من غير القطريات خاصة من امتداداتهم العائلية في دول الخليج، وكذلك من الدول العربية الأخرى وإن كان في حدود ضيقة، والشاهد أن الأمر معتاد وليس خروجًا عن العادات كما ورد في عنوان التحقيق وما ذكره بعض المتحدثين.

ثالثًا: افتتح التحقيق بعبارة "في زمن الانفتاح على الآخرين تعمل كل الدول جاهدة من أجل الإبقاء على الترابط المجتمعي فيها والتمكين للهوية، وهذا لن يكون بدون أسرة مترابطة ومتماسكة، لدى كل أفرادها الانتماء والولاء الكامل للوطن، والأسرة لن تكون مترابطة إلا إذا كان الزوج والزوجة من نفس البلد، لأن الزواج من الأجنبيات يجعل أفراد الأسرة مشتتين بين ثقافتين مختلفتين وقد تكونان متناقضتين"، ولا يخفى على القارئ الكريم أن ورود هذه العبارة التي تحمل حكم جازم لا يقبل النقاش في بداية التحقيق وقبل أي مقدمات تفقده مصداقيته، حيث ربطت الأستاذة بشكل غريب بين الترابط الأسري وكون الزوجين من نفس البلد، ويعني كلامها أن اختلاف جنسيات الزوجين يترتب عليه تفكك أسري، وبالتالي –على حد وصفها-لن يكون للأسرة انتماء وولاء للوطن، لأن هذا محصور بالأسر المتماسكة التي حددتها بالتي يكون الزوجين فيها من نفس البلد، ولم تذكر مستند هذا الكلام المنافي للواقع أو الدليل عليه.

رابعًا: ورد في التحقيق أن الزواج من غير القطريات "يجلب الكثير من المشاكل"، ولم تذكر الأستاذة صاحبة التحقيق شيئًا من هذه المشاكل سوى "أن الزوجين في هذه الحالة قد يكونان من ثقافتين مختلفتين ولدى كل منهما عادات وتقاليد مختلفة وربما هذا يتسبب في خلاف مستقبلي حول كثير من الأمور الحياتية التي تتطلب أن يكون الزوجان متفاهمين من أجل تجاوزها وعيش حياة مستقرة"، ويظهر للقارئ الكريم من استخدام مفردات "قد، وربما" أن هذه مشكلة افتراضية لم تحاول الأستاذة التأكد حتى من مصداقيتها، حيث يثبت واقعنا أن النسبة الكبرى من زوجات القطريين غير القطريات من دول مجلس التعاون الخليجي الذين تجمعنا بهم صلات القرابة والنسب والاشتراك في الدين والعادات والتقاليد، وحتى فيما يتعلق بغير الخليجيات نرى أنهن قد انغمسن في المجتمع القطري ونشأ ابنائهن نشـأة سليمة وسط مجتمعهم. وتظهر أدنى مراجعة لواقع المشاكل العائلية بين الزوجين أن الأمر لا يرتبط بالزواج من قطرية أو غير قطرية قدر ارتباطه بطبيعة العلاقة ومدى رضا الطرفين بها.

خامسًا: استضافت الأستاذة مجموعة من الأشخاص المعروفين على مواقع التواصل الاجتماعي بين ناشط على تويتر ومشهور في سناب شات لاستقصاء آراء المجتمع في الموضوع، ومع الاحترام والتقدير لأشخاصهم أود بيان الملاحظات التالية:
أ. عدد من تم استضافتهم للحديث في موضوع اجتماعي حساس خمسة أشخاص يتبنون جميعًا الموقف نفسه، مما يعزز احتمالية وجود موقف مسبق يود القائمون على التحقيق ترسيخه.
ب. لم تتم استضافة أي شخص مختص بالشؤن الاجتماعية والأسرية سواء كان قاضيًا أم محاميًا أو مستشارًا أسريًا.
ج. أطلق الأشخاص الذين تمت استضافتهم أحكامًا جازمة يأتي التعليق عليها تباعًا في الفقرة القادمة.

سادسًا: أود التعليق على بعض ما ذكره الضيوف في التحقيق على النحو الآتي:

أ‌. ذكر حسن حمود وهو ناشط اجتماعي في تويتر ما يأتي: "عندما وجه مجلس الشورى بالزواج من المواطنات دون الجنسيات الأخرى فلم يكن هذا التوجيه عفويا، ولكنه جاء نتيجة مواقف معينة، ولو ذهبنا إلى ساحات المحاكم فسنجد الكثير من المشاكل في الأسر التي منها الزوجة غير قطرية، ربما بسبب اختلاف العادات والتقاليد، أو عدم التكافؤ أو تشتت أفكار الأبناء. فالزواج لكي يستمر وينجح ويثمر أسرة سعيدة لا بد أن يكون الزوجان من نفس الجنسية"، وبالعودة إلى نقطة مجلس الشورى، فإن المجلس في الواقع لم يوجه بالزواج من القطريات على هذا النحو، حيث إن كلمة توجيه أولًا تحمل صفة الإلزام، ولم يرد عن المجلس ذلك، بل نص المجلس على تشجيع الأبناء على الزواج بصورة عامة، وأن يكون هناك تشجيع على الزواج من القطريات بصفة خاصة، وهو ما ورد عن المجلس في جلسته المنعقدة يوم الاثنين 15 فبراير 2021م حيث قال في توصياته: "تشجيع الأبناء على الزواج خاصة من المُواطنات". وذكر حسن حمود أننا لو توجهنا إلى المحاكم فسنجد الكثير من المشاكل في الأسر التي منها الزوجة غير قطرية، وهذا كما يظهر كلام مرسل لا يعتمد على أي مصدر، خاصة أنه صادر عن شخص –مع الاحترام له-غير مختص بالشؤون الأسرية ولا يباشر شيئًا منها، ولا يجوز علميًا ذكر مثل هذه المعلومات دون ذكر مصدر معتمد لها. كما أصدر حكمًا جازمًا بأن الزواج لكي ينجح فلا بد أن يكون الزوجين من نفس الجنسية، وهي دعوى لا دليل عليها وتناقض الواقع المعيش في حياتنا اليومية.

ب‌. وصف سالم بن شافعة الناشط على تويتر أن الزواج من غير القطريات "أكبر خطأ"، مستشهدًا بعدد من معارفه الذين تزوجوا من خارج قطر -على حد وصفه- ويودون أن يعود بهم الزمن ليصححوا خطأهم، وأبسط رد على كلامه أنه وكما أن هناك بعض المشاكل لدى من يتزوجون من غير القطريات، فإن النسبة الغالبة تعيش حياة مستقرة لا تتخللها هذه المشاكل، ولا يجوز إصدار حكم عام بناء على شهادات أشخاص غير معروفين إلا للمتحدث، بل الحكم في مثل هذه الأحوال يبنى على معلومات وبيانات صحيحة صادرة عن جهات الاختصاص، كما ذكر سالم أن من نوعية المشاكل أن الأم تسافر بأبنائها دون علم الزوج، والحقيقة أن هذا يعبر –مع الاحترام لشخص المتحدث- عن انفصال عن الواقع، فأي إنسان يعيش على أرض قطر يعلم أن الأطفال لا يمكنهم السفر دون إذن الأب عبر إصداره "خروجية" لهم من موقع وزارة الداخلية، كما أنه ذكر أن هذه المشكلة تكبر حين تكون الزوجة من جنسية أوروبية، ولا يخفى على القارئ الكريم مدى غرابة هذا الطرح في المجتمع القطري الذي لم يعتد أبناؤه الزواج من أوروبيات إلا في حدود ضيقة جدًا –إن وجدت أصلًا-، كما ذكر معلومة في قمة الغرابة والتعميم الخاطئ المتسرع مفادها أن المتزوجين من غير القطريات يعيشون في مشاكل وشبه عزلة، ولا يخفى على القارئ غرابة هذا الطرح وبعده عن الواقع. كما ذكر الأستاذ الفاضل أنه ينصح بالزواج من القطريات لتكوين أسرة مثالية تخدم المجتمع الذي تنتمي إليه لأن ولاء الأجنبية يبقى لبلدها، ولا أدري ما وجه الربط بين مثالية الأسرة وجنسية الزوجين، كما أن في كلامه إساءة ضمنية لكثير من الأسر التي تكون الأم فيها غير قطرية بوصفها غير مثالية أو لا تخدم المجتمع أو أن لها ولاءًا لبلدان أخرى.
ت‌. ذكر خالد بن داهم الناشط على تويتر أن الزواج من غير القطريات "عمره قصير"، ولم يبين الأساس الذي بنى عليه هذه المعلومة التي تناقض الواقع الذي يشهد ثبات واستمرار النسبة الغالبة من زواج القطريين بغير القطريات.
ث‌. تحدث فاهد العذبة الناشط على سناب شات أن الزواج من غير القطريات وخاصة الأوروبيات أو الجنسيات غير العربية يقسم الأسرة إلى ثقافتين مختلفتين في كل شيء، وأن لذلك أثره السلبي على تكوين الأسرة، وذكر أن "سجلات الأحوال الشخصية تؤكد أن عمر هذه الزواجات قصير"، والحقيقة أن في هذا الكلام انفصالًا تامًا عن الواقع، فلا نجد في المجتمع القطري حضورًا لظاهرة الزواج من أوروبيات أو غير عربيات أصلًا، وإن كان هناك حالات فهي محدودة ولا تشكل ظاهرة تستدعي النظر، كما أن الحديث عن سجلات الأحوال الشخصية يتطلب رجوعًا فعليًا إليها وليس مجرد كلام عابر، فضلًا عن خطأ المعلومة أساسًا كما ورد في الفقرة السابقة.
ج‌. ذكرت الأستاذة أمل النعيمي ضرورة وجود دورات للشباب القطري من الجنسين، ويتم خلالها إعلامهم بالمشاكل القانونية، والمشاكل الأسرية التي ستنتج عن الزواج بالأجنبيات، وفي كلامها هذا حكم مسبق بأن الزواج من غير القطريات سينتج مشاكل أسرية وقانونية، وكأن هذه المشاكل لا تحدث إلا في الزواج من غير القطريات.

سابعًا: يجب التنبه إلى أن الزواج من غير القطريات ينظمه قانون خاص لم يتطرق له أحد من المتحدثين في هذا التحقيق، وهو القانون رقم (21) لسنة 1989 بشأن تنظيم الزواج من الأجانب، والذي ينص على موافقة لجنة مختصة على طلبات الزواج من غير القطريات، وهذا الأمر يعكس عدم الإلمام بجوانب الموضوع لذلك يتوجب أن يتم طرح هذه الموضوعات من قبل أشخاص مختصين في المجال بشقيه الاجتماعي والقانوني يتناولون الموضوع بدراسة عميقة، وأن تكون هناك مصداقية في الطرح عبر إيراد معلومات صحيحة من مصادرها لدى الجهات المختصة، وعرض الآراء المختلفة حول الموضوع لا مجرد رأي واحد.



* همسة أخيرة: لا تسمح لأحد باستخدام صورتك واسمك في تصريح صحفي من تأليفه، لأن ذلك قد يضعك في مأزق قانوني.