تحدي تجربة الوحدة النقدية الخليجية
دروسٌ من تجربة الوحدة النقدية الأوروبية (2-2)

بقلم نضال أحمد الخولي
جريدة الراية القطرية
27/12/2010


كنّا قد ناقشنا في الجزء الأول من المقال أهمَ السلبيات التي سبّبت الأزمة التي تمر بها منطقة اليورو، وكان من أهم تلك السلبيات:
أولاً: الوحدة قامت في ظل فروقات اقتصادية شاسعة بين دول الاتحاد الأوروبي.

ثانياً: الدول الأعضاء فقدت السيطرة على سياسات النقد الخاصة بها.
ثالثاً: الوحدة قامت في ظل وجود مشاكل بطالة وقبل فتح أسواق العمل.
رابعاً: الوحدة قامت قبل إيجاد نظام صارم للرقابة والمحاسبة.
وقد بَـرز خلال السنوات القليلة الماضية استحقاقٌ خليجي طالما تم تأجيله وهو "استحقاق الوحدة النقدية"، هذا النوع من الوحدة النقدية غير موجود عملياً سوى في "منطقة اليورو" والمشكلة أنّ الاستحقاق الخليجي يأتي في وقت تشهد فيه التجربة الأوروبية مشاكلَ عاصفة، كما يأتي في الوقت الذي ينظر فيه الكثيرون إلى الإيجابيات والمرونة التي تتمتع بها الدول الأوروبية غير الأعضاء في اليورو، كالسويد والدنمارك ولحد ما؛ بريطانيا، كونها تملك عملاتها الخاصة وكانت قد تجنبت الدخول في اليورو.

يُـعتبر مجلس التعاون الخليجي من أنجح الكيانات الاتحادية الدولية على مستوى العالم، فبعد مرور 30 عاماً على تأسيسه، مازال المجلس يُـثبتُ كل يوم أنّ القادم أفضل لمصلحة الدول والمجتمعات الخليجية، فهل تصلح فكرة الاتحاد النقدي لتطبيقها في هذا الاتحاد الخليجي الطموح؟
إذا ما أسقطنا السلبيات الرئيسية الأربعة لتجربة اليورو على الحالة الخليجية فإننا نلاحظ ما يلي :

أولاً : الفروقات الاقتصادية: إنّ هناك تفاوتاً كبيراً بين اقتصاديات الدول الخليجية، فالاقتصاد السعودي يفوق حجم اقتصاديات الدول الثلاث الأخرى الراغبة في دخول الوحدة النقدية مجتمعة، ومن جهة أخرى تتمتع قطر بأعلى مستوى للدخل في العالم، في حين أن دخل الفرد في كل من البحرين والسعودية لا يتجاوز رُبع دخل الفرد في قطر، هذا التفاوت الواضح هو ذاته الذي كان ولايزال موجوداً بين الدول الأوروبية.

ثانياً: مركزية السياسات النقدية: عملياً، لايمكن قيام وحدة نقدية دون وجود بنك مركزي موحد يتخذ السياسات النقدية، وهذه من أهم العيوب الجوهرية لفكرة الوحدة النقدية، حيث لايمكن أن تناسب السياسات النقدية كل الدول في ذات الوقت، فقد تشهد إحدى الدول تضخماً مرتفعاً في حين تشهد أخرى ركوداً أو تباطؤاً، فكيف ستصلح مثلاً أسعار الفائدة الموحدة لكلى الحالتين؟
ثالثاً: مشكلة البطالة وفتح أسواق العمل : بالرغم من وجود حوالي 15 مليون عامل أجنبي في الخليج فإنّ مشكلة البطالة في بعض دول الخليج مازالت تـُعتبرُ تحدياً كبيراً، فالبطالة غير موجودة عملياً في قطر ومنخفضة نسبياً في الكويت، في حين تعتبرُ مشكلة كبيرة في كلٍ من السعودية والبحرين، علماً بأن أسواق العمل غير مُـقيدة بشكل كامل أمام الخليجيين، لكنّ المشكلة تكمن في أنّ البطالة هنا اختيارية بفعل الانتقائية والرغبة بالوظيفة الحكومية وميزات التقاعد، كما أنّ جزءاً كبيراً منها بين فئة الإناث اللواتي لا يمكنهن (اجتماعياً) التنقل للعمل خارج دولهن، ولهذا فإن فتح أسواق العمل الخليجية غيرُ مُجدٍ في الحالتين.

رابعاً: نظام الرقابة والمحاسبة: من أهم متطلبات الوحدة النقدية وجود معايير واضحة للسياسات المالية التي تتعلق بحجم الإنفاق العام، والمؤشرات الاقتصادية الأخرى، مع وجود نظام لمحاسبة الدول التي لا تفي بالمعايير المطلوبة، ولكن معظم دول الخليج لا تقوم بنشر تقارير تفصيلية توضح بنود موازناتها، كما أنّ معظم البيانات الاقتصادية والإحصائية تتأخر في الصدور لأشهر لعدم وجود برنامج زمني محدد للنشر، فعلى أي أساس ستتم الرقابة والمحاسبة؟

هنالك أيضاً بعض السلبيات التي قد تجلبها فكرة الوحدة النقدية، حيث إن العملات الخليجية مرتبطة بأسعار صرف ثابتة مرتبطة بالدولار "بشكل رئيسي"، فبعد الوحدة النقدية قد تبدأ المُطالبات تتصاعد باتجاه تحرير أسعار صرف العملة الخليجية الجديدة على غرار مايحدث مع الصين حاليا، فهل تسمح الظروف الاقتصادية لدول الخليج بتحرير أسعار صرف عملاتها بشكل مُطلق؟ علماً بأن أهم ما دعى دول أوروبا لتوحيد عملاتها هو تجنب الفوارق في أسعار الصرف لتشجيع التجارة البينية والتصدير، وفي الحالة الخليجية فإن فروقات أسعار صرف ثابتة وبالتالي فهي لا تؤثر على التجارة البينية، كما أنّ التصدير يتم بالدولار الأمريكي بشكل أساسي.

إنّ السلبيات المذكورة أعلاه لا تعني بالضرورة أنّ فكرة الوحدة النقدية الخليجية غيرُ مُجدية أو غيرُ ممكنة، ولكن من المهم جداً مراقبة الحالة الأوروبية بتمعّن، فالاتحاد النقدي خطوة لا يمكن الرجوع عنها بسهولة إذا ما تم تبنيها، لأن أسهل مراحل الوحدة تكمن في مرحلة بدء التطبيق خاصة في ظل الانتعاش الاقتصادي، والمرحلة الأصعب هي مرحلة إدارة الأزمات الاقتصادية في ظل وجود إتحادٍ نقدي، فنحن لا نناقش هنا قدرة الاتحاد الخليجي على الوحدة، بل إنَّ النقاشَ الأساسي في العالم اليوم هو حول مدى جدوى فكرة الاتحاد النقدي من أساسها.