تحليل: د. أحمد مفيد السامرائي - مستشار اقتصادي لشعاع كابيتال :
ما من شك أن عام 2006 قد أخذ مع رحيله ذكريات مؤلمة لغالبية أسواق المنطقة التي تمثلت في الأحداث المأساوية التي لن تنساها ذكريات كل من له علاقة فيها من مستثمرين على مختلف احجامهم والى جانبهم عاملون في هذه الاسواق، فقد كان عام 2006 بمثابة الآمال التي بنى عليها ملايين المتعاملين في اسواق المال من مختلف الدول العربية أحلامهم الوردية، ولكنها ضاعت في لمح البصر ولم تتوقف عند ذلك بل اخذت معها ما حصدوه من ارباح خلال عام 2005، كما كان لعام 2006 تأثيرات سلبية اخرى كان في مقدمتها انتزاع الثقة بالاسواق من نفسيات المتعاملين التي ستأخذ وقتا طويلا حتى تتم اعادة بنائها.
وقد احتلت السوق السعودية المرتبة الاولى على سلم التراجعات بعد ان انخفضت بواقع 53% بالمقارنة مع اقفال عام 2005، تلتها السوق القطرية بنسبة 35% ثم السوق الاردنية بنسبة 33%، في حين احتلت عمان المرتبة الاولى من حيث الارتفاع بواقع 14% تلتها السوق المصرية بنسبة 11%.
ولعل من اهم اسباب التراجعات التي المت بغالبية اسواق المنطقة خلال عام الماضي، هي الارتفاعات التي شهدها عام 2005 ولم يكن لها مبرراتها العقلانية أو العلمية بل جاءت تحت تأثير حالة من الطفرة الاقتصادية ووفر في السيولة والى جانبها بطبيعة الحال التسهيلات البنكية غير المدروسة. كما لعبت التقلبات السياسية وتغير موازين القوى في المنطقة دورا كبيرا عكست جميع التوقعات، ناهيك عن القرارات والممارسات الخاطئة التي قامت بها بعض ادارات الاسواق في معالجة الحالات الطارئة وبخاصة حالات التلاعب وعمليات المضاربة التي كانت مكثفة في عدد من الأسواق الخليجية خلال عام الماضي.
وفي ما يلي مراجعة سريعة لأهم الأحداث التي شهدتها بعض أسواق المنطقة خلال عام 2006:
السعودية في 2006.. من القمة إلى القاع
تمكنت السوق السعودية من تسجيل مستوى قياسي جديد مع بداية عام الماضي (2006) بدفع من الأسهم القيادية في السوق وفي مقدمتها سهم سابك والذي سجل ارتفاعا بنسبة 7.7% خلال الاسبوع الاول في ظل الارتفاع الكبير في أسعار النفط بالإضافة الى تفاؤل المستثمرين بأداء الاقتصاد السعودي للعام الجديد، وقد بدأت السوق السعودية عام باكتتاب قياسي في أسهم شركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات «ينساب»، حيث شهد مشاركة 54% من مجموع سكان المملكة خلال أسبوعين فقط، وبلغ إجمالي القيمة المجمعة 5.6 مليار ريال سعودي ليبلغ حجم التغطية 288% من القيمة المطلوبة لتغطية الأسهم المطروحة والبالغة قيمتها 1.9 مليار ريال موزعة على 39.3 مليون سهم او ما نسبته 35% من حجم الشركة.
وقبل ان يسدل الشهر الاول ستائره استطاعت السوق ان تحطم رقما قياسيا جديدا في ظل زيارة عاهل المملكة للصين والهند وما لحق بهذه الزيارة من مشاريع وفرص استثمارية هائلة للسعودية، وتزامنت هذه الزيارة مع فترة اعلان النتائج المالية التي تعد الاقوى في تاريخ اغلبية الشركات المدرجة في السوق الذي قامت هيئته المالية بتغيير واصدار مجموعة من الانظمة التي تسهم في زيادة الشفافية ليحتل المؤشر المرتبة الاولى بالارتفاع بين باقي اسواق المنطقة بنسبة 6.22%، ليقفل عند مستوى 18751.78 نقطة بعد تداولات بقيمة 206.51 مليار ريال سعودي.
وفي منتصف شهر فبراير بدأت موجة التصحيح بعد ان تجاوز المؤشر مستوى 20 الف نقطة ليهوي السوق وبقوة تحت تأثير عمليات البيع التي قام بها المستثمرين، خصوصا في أسهم شركات المضاربة الامر الذي كان متوقعا، خاصة بعد الارتفاعات القياسية التي سجلتها السوق ليقف السوق عند مستوى 16355.79 نقطة، وعلى الرغم من هذه التراجعات فقد تواصلت اكتتابات الشركات الجديدة اضافة الى زيادات رؤوس الاموال، ومن جهة اخرى تم إقرار رأس مال شركة أعمار كي إس أيه التي ستكون المطور الرئيسي لمدينة الملك عبدالله الاقتصادية على أن يكون بواقع 8.5 مليار ريال مقسم على 170 مليون سهم بقيمة اسمية تبلغ 50 ريالاً، وقد قامت هيئة السوق بخفض نسبة التذبذب الى 5% بدلا من 10% قبل حلول نهاية الربع الاول لتقلص من حجم التراجع التي عانت منها السوق في ما بعد، وقد عوض السوق كل الخسائر التي منيّ بها بعد التفاعل القوي الذي ابداه المستثمرون مع مجموعة القرارات المتخذة، وكانت الشرارة التي اوقدت نار الارتفاع من جديد الموافقة التي اصدرها مجلس الشورى على تأسيس صندوق لدعم سوق الأسهم المتقلبة اضافة الى انشاء مصرف انماء برأسمال 15 مليارا، على أن يطرح 70% من أسهمه للاكتتاب عام، وتمتلك الصناديق الحكومية 30%، وقد تقرر في حينها ان تستكمل اجراءات الانشاء والطرح قبل نهاية عام الحالي.
وارتفع المؤشر محققا اقوى نسبة ارتفاع بين باقي اسواق المنطقة بواقع 1165.23 نقطة حيث اقفل عند مستوى 17060.34 نقطة مع نهاية الربع الاول، خاصة مع التدخل المباشر من قبل العاهل السعودي الملك عبدالله وتوجيهاته الداعية الى السماح للمقيمين من غير السعوديين للاستثمار بشكل مباشر في سوق الأسهم وعدم قصره على صناديق الاستثمار، وتخفيض القيمة الاسمية للسهم مما يسمح بتجزئة الأسهم، بالاضافة الى تدخل قوي من قبل بعض الشخصيات البارزة في المملكة مثل الامير الوليد بن طلال والذي اطلق عددا من التصريحات حول قيام شركته (المملكة القابضة) باستثمار اكثر من 10 مليارات ريال في الأسهم السعودية.
وقد عادت السوق بعد ذلك للارتفاع مع عدم استيعاب شريحة واسعة من المستثمرين عملية تجزئة الأسهم التي تمت على عن طريق تجزئتها الى مجموعات لتطبق العملية كل نهاية اسبوع، وصاحب هذه العمليات الكثير من التعثر، خصوصا مع حالات الخلل في النظام الالكتروني للسوق والذي زامن بداية كل اسبوع وبدأ بإيقاف التداولات خلال الجلسات الصباحية وتمديدها بعد ذلك، خاصة مع إيقاف التداولات على أربعة أسهم بنكية، في بداية عمليات التجزئة، وتواصل مسلسل الانخفاض في السوق السعودية بعد ذلك في ظل تراجع قوي باحجام التداولات، وتضارب المبررات للنزول الذي تحكمت به مجموعة من الهوامير التي ابدت اصراراً لفرض سيطرتها على السوق وهيئته، وقد جاء نتيجة لذلك تأجيل مجموعة من الاكتتابات بالنظر لظروف السوق المتقلبة، وارتفاع القيمة الاسمية لأسهم الشركات مع علاوة الاصدار مما قلل من فرص نجاح الاكتتاب، وقد تزامن مع انخفاض السوق خلال شهر ابريل حالة غريبة، حيث كانت السوق تتراجع بقوة خلال فترة التداولات الصباحية لتدخل محافظ استثمارية تقلل الخسائر خلال النصف الأخير من الجلسة المسائية، الأمر الذي جعل الكثير من المتداولين يقللون حجم تعاملاتهم الصباحية املا بتحقيق بعض المكاسب خلال عملية الانقاذ، كما شهدت هذه الفترة اعلان شركة سابك تراجع ارباحها خلال الربع الاول من عام الجاري بنسبة 17% مقارنة بنفس الفترة من عام الماضي.
واستمرت بعد ذلك حالة التذبذب في ظل سيطرة واضحة لعمليات جني الارباح والتي اتبعت كل صعود لمؤشر السوق وعلى المدى القصير طبعا في ظل ارتفاع احجام التداولات وتكثيف عمليات المضاربة وعودة المستثمرين الى الأسهم الصغيرة، التي لعبت الاشاعات الدور الاكبر في تحريكها، وعليه فقد تفاقمت خسائر السوق لتصل الى 26.9% منذ بداية عام الحالي وذلك بحلول بداية شهر مايو بعد ان سجل المؤشر تراجعا الى مستوى 12751.39 نقطة.
ولم تتوقف حالة التراجع التي لازمت السوق رغم كل الاجراءات التي سعت هيئة السوق والجهات الحكومية الاخرى لاتخاذها ليتغير الاتجاه بعد ذلك جراء قرار تعيين الدكتور عبد الرحمن التويجري رئيساً لهيئة السوق المالية، بدلا من رئيسها السابق، الذي واجهت اجراءاته القوية تجاه بعض كبار المضاربين انتقادات حادة بعد جر السوق وجعله ساحة لمعركة بين هيئة السوق وهواميره، كان ضحيتها الصغار من المستثمرين، وجاء بعد ذلك اعلان الملك السعودي عن ان الدولة ستؤسس صندوقا استثماريا لذوي الدخل المحدود (ومن هم أقل درجة منهم) بحيث يتاح لهذه الفئة إيداع أموالها فيه على أن تضمن الدولة رؤوس أموالهم في حالة الخسارة، ويوجّه الصندوق للأشخاص والأسر الذين يرغبون في استثمار أموال لا تتجاوز 500 ألف ريال، وستكون مدة الاستثمار في الصندوق عامين، الا ان الاخطاء الفنية وعمليات جني الارباح والمضاربات ادت الى انخفاض حاد للمؤشر الرئيسي للسوق السعودية حيث اثرت اخطاء في موقع التداول الاليكتروني على تداول أسهم بنكي الجزيرة والسعودي البريطاني، وفقدت السوق بعد ذلك معظم مكاسبها، على الرغم من التحركات الدؤوبة لادارة هيئة المال الجديدة من خلال الظهور الاعلامي المستمر وتفعيل بعض الخطوات التي كانت الادارة السابقة قد اعلنت عنها، إضافة الى قرارات جديدة حيث كشفت الهيئة عن مشروع لايجاد صناديق استثمارية مستقلة عن البنوك، وقد قامت الهيئة ضمن سعيها لوقف التدهور الحاصل في السوق واعادة الثقة المفقودة بتوقيع اتفاقية مع لشركة اومكس العالمية المتخصصة وذلك بهدف تطوير نظام التداول الاليكتروني الحالي، وعادت السوق السعودية بعد ذلك لترتفع اثر قرار هيئة السوق المالية بخصوص تخفيض قيمة العمولات على عمليات بيع وشراء الأسهم بنسبة 20%، اضافة الى الغاء تداولات يوم الخميس بغرض منح المتداولين والوسطاء والبنوك يوم راحة، وقد بدأت عودة ثقة المتداولين بالسوق من خلال ارتفاع قيمة التداولات منتصف شهر يوليو بنسبة 9.8%، وقد عزز هذا الارتفاع بعد تدشين الملك السعودي 22 مشروعا استثماريا بتكلفة إجمالية تصل إلى 82.15 مليار ريال في مدينة الجبيل الصناعية، من بينها مشروعان استثماريان، لانشاء مجمع عملاق للصناعة البتروكيماوية، ومصفاة لتكرير البترول تابعة لشركة أرامكو السعودية، ومشاريع أخرى تابعة لشركة سابك وشركات القطاع الخاص، كما قام خادم الحرمين الشريفين بتأسيس مدينة اقتصادية عملاقة جديدة في حائل تتجاوز تكلفتها 30 مليار ريال، وهي الثانية ضمن منظومة المدن الاقتصادية التي تخطط الهيئة عامة للاستثمار لتأسيسها في خمس مناطق، وستوفر المدينة الجديدة 30 الف فرصة وظيفية وستعزز مسيرة التنمية في المنطقة، واعطت هذه الاخبار دفعا قويا لشركات القطاع الصناعي.
ومع نهاية الفصل الاول استمر الاداء التصاعدي للسوق السعودية، وجاء الدفع بصورة رئيسية من أسهم المضاربة التي ارتفعت خلال التداولات، مع اعادة المحافظ لترتيب اوراقها قبل نهاية الفصل من اجل الحسابات النهائية، واستمرت حالة الارتفاعات المتحققة خلال الجلسات المسائية بينما كانت جلسات الصباح تشهد عمليات لجني الارباح، مصحوبة بمضاربات مكثفة، وكان لقرار هيئة السوق المالية بتمديد المهلة الممنوحة للشركات المساهمة التي تستثمر في الأوراق المالية لمدة ثلاثة أشهر إضافية تنتهي مع نهاية شهر اكتوبر، لتصحيح أوضاع استثماراتها في الأوراق المالية اثرا في ارتفاع أسهم هذه الشركات.