دوى صوت الجرس معلنا انتهاء اليوم الدراسي .. تسابقت الطالبات في الخروج ..وعلى عجل لممت أشيائي و أغلقت الحقيبه دون أن أعبأ بما سقط منها ثم انطلقت مسرعة إلى بوابة المدرسة .. يجب أن أخرج قبل الجميع .. أسرعت في الجري لأصل إليه ..كان يقف هناك ينتظرني .. كثيرا ماطلبت منه ألا يأتي ولكنه لايفهم ، اعترضني يريد حمل حقيبتي ، تجاوزته وأسرعت مبتعدة عنه فيما كان هو يتبعني بخطى متقاربه يتوكأ على عصاه ..- وأنا ألتفت إليه - دعوت الله إن لايعرفن زميلاتي إن ذلك الكهل في الثياب القذرة هو والدي .. وصلت إلى المنزل الذي كان صوت راشد الماجد يصدح في أرجائه .. أمي تحب صوته .. ولكنها ماإن رآتني حتى سارعت في اغلاق المسجلة الصغيرة واخفائها عن عيني والدي فهي تثير غضبه ..بل هو دائما غاضب لايتوقف عن الصراخ والشتم ..يعاملنا بقسوة ويحرمنا من كل شيء
أمي قالت لي أن أخبر المعلمة ألا تطلب مني شيئا لإن والدي بخيل يرفض تلبية طلباتنا رغم إنه يملك أموالا كثيرة يحتفظ بها في بيته الآخر حتى لاتسرقها أمي .. !استبدلتُ ملابسي وذهبت لمشاهدة أفلام الكرتون في منزل صديقتي لبنى التي تدرس معي في الصف الأول هي ايضا ابنة أختي .. لبنى متفوقه ودائما تنال ثناء المعلمه أما أنا فأنال صفعاتها لإني بطيئة الفهم كما تقول ..بينما هي التي لاتريد أن تفهم بأن الكهول لاينجبون إلا أمثالي من المعتوهين والمتخلفين ..ذات مساء سمعت صوت جلبة في المنزل وعندما نهضت لاستطلع مايحدث استوقفتني أمي عند الباب وأعادتني إلى فراشي وهي تقول إن بابا سيموت غدا لإنه مريض جدا وقد أخذوه إلى المستشفى .. نمت وأنا انظر إلى أمي كان وجهها يطفح بالبشر ..وفي المدرسه أخبرت زميلاتي أن أبي سيموت اليوم ونرتاح منه .. وبعدها نأخذ أمواله ونشتري كل مانريــد .. قلن لي : وماذا سيفعل بكم عندما يعود ؟أخبرتهن أن من يأخذه الموت لايمكن أن يرجع .. بعضهن لايعرفن معنى الموت أما أنا فأعرفه جيدا لإنه دائما على لسان أمي .. تدعو على نفسها بالموت لترتاح من عذابها .. وتدعو على أبي بالموت كي نرتاح منه .. وأنا ايضا تقول أمي أن الموت أفضل لي فمالذي ينتظرني مع حظ بائس ورثته عنها وعقل متخلف أخذته عن أبي
عدت متأخره من المدرسة ووجدت لبنى ووالدتها في منزلنا .. كانت أم لبنى غاضبه جدا وهي تتحدث عن المرأة بلا أخلاق تنتظر وفاة زوجها .. فيما كانت نظرات أمي الحانقه تتابعني وأكاد أسمعها وهي تقول : يامتخلفه أخبرتِ لبني ؟
لم يمت أبي وعاد إلى المنزل .. ولكنه الآن لا يشتم .. فهو حبيس الغرفة البعيدة ويقضي وقته صامتا لايستطيع النهوض من فراشه .. لم يعد أبي يخيفنا وعاد صوت راشد الماجد يعلو في منزلنا وأمي الآن ليست بحاجة إلى اخفاء المسجلة ولا إلى الحديث خلسة في الهاتف .. لاتسمح لي أمي بمساعدة أبي أو تقديم الطعام له أو البقاء عنده وتقول إنه لايستحق الشفقة بل أن مايعانيه هو جزاء أعماله ويستحق أكثر .. قد تكون أمي صادقة ولكني أحب مراقبته والاقتراب منه .. وفي أحد الأيام سمعته يبكي .. حاولت معرفة سبب بكاءه المر وبعد عناء فهمت منه أنه يريد الذهاب إلى دورة المياه ..أسرعت إلى أمي أخبرها وأطلب منها مساعدة أبي ولكنها تتحدث في الهاتف ولم تشأ اغلاق الخط رجوتها كثيرا واخيرا استجابت لتوسلاتي وأخذنا أبي حيث يريد ثم تركته وعادت إلى الهاتف وذهبت استجديها أن تخرجه دون جدوى وعدت إلى أبي يائسة أطلب منه أن يصبر حتى تنتهي أمي ولكن أبي حاول النهوض فسقط على الأرض وأخذت الدماء تنزف بغزارة من وجهه ، جاءت أمي وشاهدت المنظر و قالت انها لاتستطيع مساعدته وستتصل بأبنائه الكبار ليحضروا له الاسعاف ... تأخرت أمي كثيرا في طلب المساعدة فقد غط أبي في نوم عميق .. سمعت شخيره بنفسي في هذه المرة خرج أبي ولم يعد .. أما أمي فهي لاتكف عن البكاء لاأدري هل تبكي على والدي أم على أمواله .. لا .. فقد عرفنا أن أبي لايملك شيئا وأن الأموال هي لأخي الكبير وسنذهب للعيش في منزله .. مؤلم أن نبدأ رحلة البخل والقسوة من جديد وأن ننتظر الموت ليريحنا .
منقوووووووووووووول