أسواق المال العربية.. بين موجة ركوب الحداثة والانفتاح الاقتصادي

خبراء: السير نحو الانفتاح تقابله تحفظات.. والإدراج المشترك وسيلة لتعزيز التكامل


مسقط: جهان المصري
يعتبر حجم البورصات العربية مجتمعة قليلا نسبيا، اذا ما قورن بالبورصات العالمية لتشكل حوالي 1.7 في المائة من اجمالي القيمة السوقية لمجموع البورصات في العالم ونحو 2.3 في المائة من حجم التداول العالمي. وفيما هناك اليوم نحو 1623 شركة مدرجة في الاسواق العربية، يوجد فقط 33 شركة مدرجة في دول اخرى، أي بنسبة أقل من 2 في المائة وخمس فقط من هذه الشركات مدرجة في ثلاثة اسواق مختلفة. هذه القراءة تدل على حجم العمل المطلوب لتشجيع الادراج المشترك والتعاون بين أسواق المال العربية، كما تطرح من جديد جدلية التكامل وتحديث التشريعات المعتمدة بهذه الاسواق، بما يسمح بحرية انتقال رؤوس الاموال بسهولة أكبر بينها. فالتعامل في الأسواق العربية ما يزال مقصورا بشكل كبير على المقيمين مع فرض الحكومات قيودا على ملكية الأجانب للأسهم والتي تمثل الآن أقل من 5 في المائة من رأسمال بورصات الخليج الذي يقارب تريليون دولار. ولكن سُجل في الفترة الماضية سعي حقيقي من قبل هذه الاسواق لتعزيز جاذبية الاستثمار فيها وجذب رؤوس الاموال. وفي هذا الاطار سمحت السعودية للمقيمين الأجانب بالاستثمار في البورصة، كما خففت بعض القيود على الصناديق التي تتخذ من الخليج مقرا لها. وقامت سوق أبوظبي للأوراق المالية بتخفيض الحد الذي يجب أن يفصح عنده المستثمرون عما في حوزتهم من أسهم في شركة ما في إطار إصلاحات لتشجيع الشفافية، كما سعت الإمارات لتعديل قانون الشركات بها لتشجيع الشركات العائلية على إدراج أسهمها في أسواق الأسهم المحلية.
هذا بالاضافة الى العديد من الخطوات الاخرى التي يصفها وزير التخطيط الاردني السابق ورئيس قسم المصارف والمصارف الاسلامية في الاكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية خالد امين عبد الله بالخطوات المتسارعة المحاطة ببعض التحفظات. وقال في حديث لـ«الشرق الاوسط» «ما زال هناك تحفظات من بعض الدول لانها ربما تخشى من السيطرة على المشروعات القائمة. نعم هذه الدول ترحب بالاستثمارات الجديدة ولكن ان تأتي استثمارات خارجية وتشتري رؤوس اموال قائمة في احدى المؤسسات القطرية بحيث تتحول الملكية من القطر او الدولة المعنية الى اقطار اخرى، ربما يكون هذا هو التخوف القائم، وهذا يعني ان عنصر الثقة لم يصل الى الدرجة التامة بعد».

ولكن يرى عبد الله «ان استمرار هذه التحفظات محكوم بعاملين أساسيين هما العولمة والقطرية. واعتقد ان الغلبة ستكون لحركة العولمة والخروج والانطلاق وليس الى التقوقع لانه لم تعد مصادر البلد الواحد ومجالات الاستثمار فيه كافية لاستيعاب تدفقات الاموال اصلا، لاسيما فوائض النفط. فبعد ارتفاع سعر برميل النفط من 18 دولارا قبل نحو سنتين الى ما يقارب الستين دولارا السؤال المطروح الى اين ستذهب هذه الفوائض؟ لذلك هي حتمية التاريخ انها يجب ان تتحول الى الخارج. ولكن هل سيكون هذا الخارج الغرب؟ الاجابة هي لا؛ بسبب وجود تخوفات كثيرة حتمتها احداث الحادي عشر من سبتمبر(أيلول)، ولذلك هذه الاموال تتجه اكثر من السابق الى الدول العربية المحيطة التي سارعت بدورها الى سن التشريعات المحبذة للاستثمار. واذكر هنا على سبيل المثال الاردن وسورية اللتين بدأتا تستقطبان استثمارات ورؤوس اموال كبيرة جدا. فعدد المصارف الجديدة التي أسست في سورية هي ثلاثة امثال مصارفها القائمة. وهناك ايضا لبنان شرط الاستقرار السياسي فيه ودول المغرب العربي كتونس والجزائر». ويرجع عبد الله سيطرة المضاربة على بعض الاسواق الى عدم قدرة رؤوس الاموال على النفاذ الى أسواق أخرى «ولذلك هي ستلجأ الى عوامل المضاربة داخل الدولة الواحدة؛ مثلا سوق الدوحة وعلى الرغم من صغره انما فيه حجم تداول كبير، والسبب عدم نفوذه الى الاسواق الاخرى بسبب التشريع، الامر الذي يدفعه الى ان يتفاعل داخليا، ولكن اعتقد ان هذا يبقى الى حين. لأن حركة رؤوس الاموال باتت اسهل من قبل على الرغم من الكثير من التحفظات التي لا زالت قائمة. ولا بد من الاشارة الى استثمارات كثيرة نجدها اليوم في تونس والسودان والجزائر من قبل شركات عربية متعددة لم تكن موجودة في السابق. فصحيح اذا ان هناك محددات ولكن هذا لا يعني التوقف».

وفي المقابل يرى تركي محمد المرزوق محاسب الاستثمار في المؤسسة العامة السعودية للتقاعد أن«التوجه الاخير خصوصا في السعودية لإصدار معايير جديدة ولاسيما حوكمة الشركات، انما يؤشر الى الجدية في التعاطي مع هذا الموضوع عن السابق والى الرغبة الملحة للانفتاح وتعزيز الشفافية».

اما المحلل المالي في شركة الخدمات المالية العمانية جمال عبد الجبار فيلفت في حديث لـ«الشرق الاوسط» الى نقاط اخرى اساسية في عملية تفعيل أداء الاسواق المالية وتسهيل حركة رؤوس الاموال وهي توحيد التعليمات وقوانين الادراج والاستثمار بين البورصات العربية. ويقول «قامت بعض الشركات المصرية المدرجة في بورصة دبي مؤخرا بسحب اسهمها من التداول بسبب عدم تجانس التشريعات المتبعة بين السوقين، وهذا يعتبر مؤشرا أساسيا على ضرورة مواءمة التشريعات والنظم المتبعة لمتطلبات الادراج المشترك الذي يصب في نهاية المطاف لصالح تكامل الاسواق المالية العربية». وأضاف «أجد أن أسواق البحرين والكويت وابوظبي من اكثر اسواق المنطقة تعاونا في عمليات الادراج المشترك. كما شهدنا مؤخرا توقيع اتفاق بين كل من سوق ابوظبي وسوق مسقط يتيح الادراج المشترك، لكننا لم نشهد حتى الآن اي عملية في هذا الاطار».

وفي النهاية يرى عبد الله ان الموجة الجديدة التي يجب على الاسواق المالية ركوبها سريعا، هي تعزيز سوق الاصدارات الاسلامية كالصكوك. وقال «هناك أسواق ليست جاهزة ولكن اسواقا اخرى مثل سوق الكويت والبحرين جاهزة لناحية التشريعات، واعتقد انه هناك توجها نحو أسلمة أدوات الاستثمار وهناك حركة اكبر في هذا المجال. وعند الحديث عن ادوات الاستثمار الاسلامية يجب ان نتطلع بالطبع ابعد من الدول العربية الى الدول الاسلامية ككل».