لقد ترددت كثيرا أن أتحدث عن هذه القضية وخاصة أنها تصدر عن شيخ له مكانة علمية

مرقومة بين المسلمين، ولكن هي كلمة الحق التي يطالب بها أهل العلم والاختصاص لتوضيح

ما يلتبس عليهم من فتاوي وأحكام تصدر من بعض العلماء، مع فرض حسن النية.


ذكر الشيخ القرضاوي في برنامج الشريعة والحياة بتاريخ 6-12-1998 م وكانت الحلقة

بعنوان (الشركات المساهمة) علما بأن للشيخ موقعا على الانترنت، فقوله متجدد يطلع عليه كثيرون.

يقول:" الشركات التي حدث فيها الخلاف هي الشركات التي يكون أصل عملها ونشأتها مباحا

مثل شركة الاسمنت وشركة الكهرباء، وشركة النفط وشركات الانصالات، وهذه الشركات أصل

عملها لاحرج فيه وانما الشبهة تاتي عندما يفيض عندها بعض المال فتوده في بنك ربوي

ومعنى هذا أنها تأخذ عليه الفوائد، وقد تحتاج هذه الشركات لتمويل بعض مشروعاتها فتستقرض

بالربا، فعملها حلال ومباح أساسا، ولكن الربا قد يدخل عليها في الطريق.

هنا اختلف الفقهاء المعاصرون في هذه القضية، فأكثر العلماء يمنعون، وهناك فريق من

العلماء والفقهاء من أباح بشروط، وأنا و د. عبد الستار و د. علي القره داغي من هؤلاء

وأهم هذه الشروط ألا يكون التعامل بالربا كثيرا، والكثرة والقلةهذه عبارة نسبية، البعض قال

انه لايصل الى 30% لأن الرسول صلي الله عليه وسلم فال:( الثلث والثلث كثير). وقال: وأنا

شخصيا أرى ان 30% كثيرة وأرى أنه لابد ان تقلل أكثر مثلا 10% معقول" ..... انتهى كلام

الشيخ القرضاوي.


وهنا يقول له المقدم: "إذن أنت تدعو أن يغزو المسلمين هذه المؤسسات رغم انها تتعامل

بالربا". فيقول السيخ القرضاوي: "نعم وربما نستطيع إذا كان العنصر المتدين فيها اكثر ان

نختار مجلس ادارة يقرر عدم التعامل بالربا ....."


أرجو من القارئ الكريم المعذرة لهذا الاسهاب في النقل لأري القارئ خطر الموضوع واهميته

وأقول تعليقا على قوله وبالله التوفبق:


أولا:

لم يعتمد الشيخ القرضاوي في فتواه على الدليل، ولكنه ذكر حديثا واحدا وحجة شرعية واحدة

وذكرهما كان لتبرير الفتوى بوجه لا يحتمله النص، وكان لياً لأعناق النصوص، فهو اجتهاد في

مقابل النص الذي لايحتمل التأويل، قال تعالى:"وأحل الله البيع وحرم الربا". سواء كان كثيرا

أوقليلاً فهو ربا وسواء كان 30% او 10% فهو ربا ولا فرق بينهما. أما ما استدل به الشيخ

القرضاوي من قوله تعالى:"ولا تأكلوا الربا أضعافعا مضاعفة". وأنه يحرم فقط الربا الذي

يكون أضعافا مضاعفة وليس الربا القليل، فهذا بعيد، فالذي يفتي بتجريم الربا الكثير فقط، لا

شك أن الآية السابقة لاتسعفه في ذلك، لأن الوصف (أضعافا مصاعفة) ليس تخصيصياً للربا،

فلا يعمل بمفهوم الآية الكريمة، بل بمنطوقها لأن المفهوم أي حصر التحريم في الأضعاف

المضاعفة، مفهوم معطل من وجهين:
1- خروجه مخرج الغالب، لأن الغالب في الربا في ذلك الوقت كان الأضعاف المضاعفة. وما

يخرج مخرج الغالب لايعمل بمفهوم المخالفة له، فلا يقال ان الربا ان لم يكن اضعافا مضاعفة

حلال، بل لا يعمل هنا بمفهوم المخالفة لخروجه مخرج الغالب، ويكون الربا حراما أضعافا

مضاعفة أو غيرها.

2- لعدم العمل بمفهوم مخالفة الآية " ولاتأكلوا الربا أضعافا مضاعفة" حيث أنها عطلت بنص

بعده وهي آية تحريم الربا في جميع حالاته على على العموم (وأحل الله البيع وحرم الربا).

وآيات في سورة البقرة من آخر ما نزل من أحكام الربا ولم ينزل بعدها ما يخصصها.


ثانيا:

ذكر الشيخ القرضاوي في معرض كلامه الحديث الشريف "الثلث والثلث كثير"

والقاعدة الشرعية (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) ولكنه وضعها في غير موضعها.

أما الحديث فهو في موضوع الوصية ولايقبل أن يستدل به على غير الموضوع الذي ورد فيه.

صحيح أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولكن العبرة بخصوص الموضوع أي

الحادثة التي حصلت وكانت سببا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم او فعله او تقريره.


ثالثا:

قوله: اصبح كثير من الفقهاء يعتبر "الثلث والثلث كثير

" يوهم السامع والقارئ أن هناك من الفقهاء من قال بذلك. ولكن الحقيقة التي نعرفها أن الكثير

من العلماء يرون خلاف ما ذهب اليه الشيخ القرضاوي.


وبهذه الفتوى وبهذا المنطق يبيح الشيح القرضاوي للمسلم أن يكون شريكا في شركة مساهمة

وان كانت هذه الشركة تودع اموالها في البنوك الربوية ولو كان جزء من ارباحها آت من الربا

(الفوائد) على اموالها في البنوك، ولكنه يشترط شرطا وهو ألا يكون التعامل بالربا كثرا !!!

ولكنه يحرم ان يكون المسلم شريكا في شركة تكون نسبة الربا - على اموالها في البنوك - عن

ارباحها كثير ..... وهذا تناقض !!!

منقول للفائدة ... والله من وراء القصد