المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المصارف تلملم استراتيجياتها



أبوتركي
12-04-2007, 10:11 AM
تقرير
المصارف تلملم استراتيجياتها



د. صنهات العتيبي
القطاع المصرفي يعاني الأمرين من بعد فقاعة فبراير الخطيرة وتبعاتها التي جاءت على شكل زحلقة بطيئة ومؤلمة منذ شهر رمضان الفائت رغم التحسن الذي طرأ قبل أسابيع معدودة. حدث تراجع ملحوظ في نشاط الأسهم صاحبه ظهور منافسين جدد (البنوك الخليجية والأجنبية) وتزايدت شركات الوساطة وشركات الاستثمار الوطنية في متوالية هندسية وهناك خطورة أن تصبح شركات الوساطة مثل التموينات (في كل عاير)!! وكذلك نشطت شركات التقسيط في سحب البساط واللحاف في مجال التمويل وتقسيط كل شيء تقريبا من السيارات إلى العمارات إلى أجهزة الحاسب الآلي. مما لا ريب فيه أن هناك ضغوطا حقيقية على القطاع المصرفي وكما يقال (في الجو غيم)، لذلك بدأت المصارف تلملم استراتيجياتها لمحاولة التكيف مع الوضع الجديد المثير للقلق والحساسية خاصة بعد أن أظهرت نتائج الربع الأول لهذا العام تراجع أرباح عدد من المصارف فأصبح من الواجب تعليق الجرس!!
من الواضح أن مصرف الراجحي يحاول جاهدا احتلال الأرض من خلال توسع في الفروع وبوادر انتشار جغرافي جسور ومصرف البلاد يسعى لاحتلال الحسابات من خلال تقنية (الحساب الذي يحسب حسابك) والمصارف الخواجات كل يسعى سواء لاحتلال العقول أو العواطف أو شريحة الناس المهمين جدا. إنها حركة لا تهدأ في صناعة تقف حقيقة على كف عفريت فيكون السؤال المحير: ماذا بعد؟ منطق التفكير الاستراتيجي يقول إن المصرف الذي لا ينام أو ينام وإحدى عينيه مفتوحة كمثل الذئب!! يجب أن يتعامل مع الحركة المقلقة للقوى الخمس (القوى الخمس هي القوى الأساسية المؤثرة على الصناعة) وفق خمس صفات إستراتيجية مهمة:

1- رؤية ثاقبة تجاهد لمعرفة التيارات والأنماط البيئية المتقلبة في الصناعة على المستوى المحلى والدولي والتعامل معها كما يجب. وكذلك تحقيق سرعة الاستجابة للمتغيرات وعدم انتظار الحدث ليقع بل التسابق في تصميم ردود أفعال مناسبة لما يحدث من تطورات لا تنتظر المترددين.

2- البحث المستمر عن الميزة التنافسية وسبل تعزيزها لصالح المصرف ومراقبة عوامل النجاح الرئيسية المتحولة في الصناعة لتحديد الموضع المناسب للمصرف على المدى الطويل.

3- الاجتهاد في بناء وتطوير القدرات الأساسية وتكوين بنية تحتية مصرفية متطورة مرتبطة بالميزة التنافسية خاصة في مجال التقنية المصرفية والموارد البشرية.

4- المرونة التنظيمية والانفتاح العقلي للقفز على التحديات والحواجز المادية أو العقلية التي تمنع التطوير واستثمار الفرص التي تلوح في الأفق.

5- التحالف المثمر في بناء القدرات التنافسية فقد ولى زمن الأحادية مع بزوغ فجر العولمة وظهور المصارف متعددة الجنسيات المعروفة بقوتها وشراستها.

التحديات التي يواجهها القطاع المصرفي تستلزم التركيز الاستراتيجي وتوظيف فكرة "الميزة التنافسية المستدامة" لتحديد حركة المصرف على وزن ما يملكه من قدرات وإمكانيات. على سبيل المثال يبدو أن تطوير نظام المصرفية الإسلامية سيكون بمثابة الحل السحري لمواجهة خبرة وشراسة العديد من المصارف الأجنبية التي تتوق إلى السوق الخليجي المنتعش بسيولة متدفقة وأموال هاربة من المناطق المتوترة أو ذات التوجهات العدوانية.

المقصود أن تحويل نظام المصرفية الإسلامية إلى آليات واضحة وإجراءات عملية (وليس لمجرد دغدغة المشاعر) سوف يمنح المصارف الوطنية ميزة تنافسية لا يستهان بها خاصة وان المتعاطفين مع هذا النهج يصلون إلى قرابة خمس البشرية. ثم أن هذا التوجه سيمكن من "عولمة" المصارف الوطنية التي يجب أن تتطلع إلى الكرة الأرضية وليس فقط منطقة الخليج وضواحيها!! ولعل الانتشار الجغرافي العالمي المبني على "ميزة تنافسية" ذات بعد ديني وعاطفي تساعد هذه المصارف على تحقيق وفورات اقتصادية بسبب الحجم وتكون كذلك مستدامة خاصة إذا عرفنا أن المصارف الإسلامية هي أسرع النظم المصرفية نموا وأكثرها قبولا على مستوى العالم. أما توسيع نظام المصرفية الإسلامية وتعميق المنتجات المتولدة منه فيمكن من تحقيق وفورات النطاق فتكون المصارف الوطنية كمن يملك سلاحا ذا نصلين كلاهما حاد وشرس.

ولن يمر هذا التقرير بدون الحديث عن مصرف الإنماء العملاق الذي سيدخل إلى الصناعة مطالبا بتحقيق كمية إرباح قياسية نسبة إلى رأس ماله الضخم ولكنه سيجد كل شيء أمامه قد تم احتلاله بجدارة من قبل أصحاب ميزة الأسبقية (حسب مفهوم من سبق لبق!!)، فماذا سيفعل؟ أن دخل المصرف كأي مصرف عادي فتلك مصيبة وأن حاول تقليد إستراتيجية دخول مصرف البلاد فالمصيبة أعظم!! لذلك فالمصرف مطالب حقيقة بصياغة إستراتيجية دخول خاصة به ومبنية على معاني الاسم الذي يحمله (الإنماء والتطوير) فقط لا غير. إذا كان الحجم (والانتشار الجغرافي) في القطاع المصرفي يؤتي أكله أحيانا فإن التخصص يجلب السعد في أحيان كثيرة. أنها دعوة لكي يفكر مصرف الإنماء في التخصص بتمويل المشاريع الإنمائية في مجالات البنية التحتية والصناعية والزراعية والخدمية والعقارية الخ وبصيغ تمويلية مبتكرة مثل (بناء - تشغيل - تحويل) أو (تأجير - بناء - تشغيل) وبالتعاون مع عمالقة البناء والتطوير مثل الحكومات الغنية التي أمامها مشاريع تسد الأفق وتطلعات تنموية طموحة وغيرها من المؤسسات التمويلية مثل البنك الإسلامي للتنمية ومؤسسات التمويل الدولية والصناديق المتخصصة الخ.

ثم إن ربط إستراتيجية التخصص في الإنماء والتطوير باستراتيجيات الدول الخليجية التي لابد وان تعطي أولوية خاصة لمشاريع تطوير واستثمار الغاز والصناعات البتروكيماوية من منطلق الميزة النسبية لهذه البلدان سيكون مناسبا أكثر لصفات وقدرات المصرف الجديد سواء من حيث البعد المادي (رأس المال الضخم) أو البعد الزماني (حاجة النمو على المدى الطويل) أو البعد التنافسي (الحصول على موطئ قدم في مجالات متشبعة أو شبه متشبعة). ولن يحتاج الأمر إلى عدسات لمشاهدة الفرص التمويلية الهائلة التي تنبت على ضفاف المدن الاقتصادية الضخمة التي تم تأسيسها أو تلك القادمة في الطريق، ويوم الثلاثاء القادم سيكون كذلك موعدا لرؤية المزيد من الفرص التمويلية المتولدة باستمرار في اقتصاد ينمو بوتيرة تسر المواطنين وأحفادهم.