المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قبل مغيب الشمس (4) ... طنطاويات بانامل رمادية



رمادي
04-08-2011, 08:28 AM
من كتاب صور وخواطر للشيخ الطنطاوي رحمه الله انقل لكم



http://img105.herosh.com/2011/08/04/658015546.jpg (http://www.herosh.com)


:
:

السعادة



كنتُ أَقْرَأُ في ترجمة (كانت) الفيلسوف الألماني الأشهر أنه كان لجاره ديك قد

وضعه على السطح قبالة مكتبه، فكلما عَمِدَ إلى شغله صاح الديك، فأزعَجه عن

عمله، و قطع عليه فكره.

فلما ضاق به بعث خادمه؛ ليشتريه، و يذبحه، و يطعمه من لحمه، و دعا إلى ذلك

صديقاً له، وقعدا ينتظران الغداء، ويحدِّثه عن هذا الديك، وما كان يلقى منه من

إزعاج، وما وجده بعده من لذة وراحة، ففكَّر في أمان، واشتغل في هدوء، فلم يقلقه

صوته، ولم يزعجه صياحه.

ودخل الخادم بالطعام معتذراً أن الجار أبى أن يبيع ديكه، فاشترى غيره من السوق،

فانتبه (كانت) فإذا الديك لا يزال يصيح !

فكّرت في هذا الفيلسوف العظيم فرأيته قد شَقِيَ بهذا الديك؛ لأنه كان يصيح، وسَعِد

به وهو لا يزال يصيح.

ما تبدَّل الواقع، ما تبدَّل إلا نفسه، فنفسه هي التي أشقته لا الديك، ونفسه هي التي

أسعدته، وقلت: مادامت السعادة في أيدينا فلماذا نطلبها من غيرنا؟

ومادامت قريبة منا فلماذا نبعدها عنَّا؛ إذ نمشي إليها من غير طريقها، ونلجها من

غير بابها؟

إننا نريد أن نذبح ( الديك ) لنستريح من صوته، ولو ذبحناه لوجدنا في مكانه مائة

ديك؛ لأن الأرض مملوءة بالدِيَكة، فلماذا لا نرفع الدِيَكة من رؤوسنا إذا لم يمكن أن

نرفعها من الأرض؟ لماذا لا نسدُّ آذاننا عنها إذا لم نقدر أن نسدَّ أفواهها عنَّا؟

لماذا لا نجعل أهواءنا وَفْقَ ما في الوجود إذا لم نستطع أن نجعل كل ما في الوجود

وفق أهوائنا؟


أنام في داري فلا توقظني عربات الشارع وهي تزلزل بسيرها الأرض، ولا أصوات

الباعة وهي ترعد في الجو، ولا أبواق السيارات وهي تُسْمِعُ الموتى، وتوقظني

همسة في جوِّ الدار ضعيفة، وخطوة على ثراها خفيفة، فإن نمت في الفندق لم

يوقظني شيء وراء باب غرفتي، فإن كان نومي في القطار لم يزعجني عن

منامي حديث جيراني إلى جنبي، ولا صوت القطار وهو يهتز بي؛ فكيف احتملت

هنا ما لم أكن أحتمله هناك؟ وآلمني هناك ما لم يؤلمني هنا؟

ذلك لأن الحس كالنور، إن أطلقته أضاء لك ما حولك فرأيت ما تحب و ما تكره،

وإن حجبته حجب الأشياء عنك، فأنت لا تسمع أصوات الشارع مع أنها أشد

وأقوى، وتسمع همس الدار وهو أضعف وأَخْفَت؛ لأنك وجَّهت إلى هذا حسَّك،

وأدخلته نفسك؛ فسمعته على خُفُوته كما ترى في الضياء صغائر الأشياء، و

أَغْفَلتَ ذلك وأخرجته من نفسك، فلم تَسْمَعه على شدته، وخفي عنك كما تختفى

في الظلام عظائمُ الموجودات.

فلماذا لا تَصْرِفُ حسَّك عن كل مكروه؟

إنه ليس كل ألم يدخل قلبك، ولكن ما أدخلته أنت برضاك، وقَبِلْتَه باختيارك، كما

يُدْخِلُ الملكُ العدوَّ قلعته بثغرة يتركها في سورها، فلماذا لا نقوِّي نفوسنا حتى

نتخذ منها سوراً دون الآلام؟


إني أسمعكم تتهامسون، تقولون: فلسفة و أوهام، نعم، إنها فلسفة، ولكن ليست

كل فلسفة هذياناً، وإنها أوهام، ولكن الحياة كلها أوهام تزيد وتنقص، ونسعد بها

ونشقى، أو شيء كالأوهام.

يحمل الرجلان المتكافئان في القوة الحمل الواحد، فيشكو هذا ويتذمر؛ فكأنه حمل

حملين، ويضحك هذا ويغني؛ فكأنه ما حمل شيئاً.

ويمرض الرجلان المتعادلان في الجسم المرض الواحد، فيتشاءم هذا، ويخاف، و

يتصور الموت، فيكون مع المرض على نفسه؛ فلا ينجو منه، ويصبر هذا ويتفاءل

ويتخيل الصحة؛ فتسرع إليه، ويسرع إليها.

ويُحكم على الرجلين بالموت؛ فيجزع هذا، ويفزع؛ فيموت ألف مرة من قبل

الممات، ويملك ذلك أمره ويحكِّم فكره، فإذا لم تُنجه من الموت حيلته لم يقتله قبل

الموت وَهْمُهُ.

وهذا (بسمارك) رجل الدم والحديد، وعبقري الحرب والسِلْم، لم يكن يصبر عن

التدخين دقيقةً واحدة، وكان لا يفتأ يوقد الدخّينة من الدخينة نهاره كله فإذا افتقدها

خلَّ فكرُه، وساء تدبيره ، وكان يوماً في حرب، فنظر فلم يجد معه إلا دخينة واحدة،

لم يصل إلى غيرها، فأخَّرها إلى اللحظة التي يشتد عليه فيها الضيق ويعظم الهم، و

بقي أسبوعاً كاملاً من غير دخان، صابراً عنه أملاً بهذه الدخينة، فلما رأى ذلك ترك

التدخين، وانصرف عنه؛ لأنه أبى أن تكون سعادته مرهونة بلفافة تبغ واحدة.

وهذا العلامة المؤرخ الشيخ الخضري أصيب في أواخر عمره بِتَوَهُّمِ أن في أمعائه

ثعباناً، فراجع الأطباء، وسأل الحكماء؛ فكانوا يدارون الضحك حياءً منه، ويخبرونه

أن الأمعاء قد يسكنها الدود، ولكن لا تقطنها الثعابين، فلا يصدق، حتى وصل إلى

طبيب حاذق بالطب، بصير بالنفسيات، قد سَمِع بقصته، فسقاه مُسَهِّلاً وأدخله

المستراح، وكان وضع له ثعباناً فلما رآه أشرق وجهه، ونشط جسمه، وأحس

بالعافية، ونزل يقفز قفزاً، وكان قد صعد متحاملاً على نفسه يلهث إعياءاً، و يئن

ويتوجع، ولم يمرض بعد ذلك أبداً.


ما شَفِي الشيخ لأنَّ ثعباناً كان في بطنه ونَزَل، بل لأن ثعباناً كان في رأسه وطار؛

لأنه أيقظ قوى نفسه التي كانت نائمة، وإن في النفس الإنسانية لَقُوىً إذا عرفتم

كيف تفيدون منها صنعت لكم العجائب.

تنام هذه القوى، فيوقظها الخوف أو الفرح؛ أَلَمْ يتفق لواحد منكم أن أصبح

مريضاً، خامل الجسد، وَاهِيَ العزم لا يستطيع أن ينقلب من جنب إلى جنب، فرأى

حيَّة تقبل عليه، ولم يجد مَنْ يدفعها عنه، فوثب من الفراش وثباً، كأنه لم يكن

المريض الواهن الجسم؟

أو رجع إلى داره العصر وهو ساغب لاغب، قد هَدَّه الجوع والتعب، لا يبتغي

إلا كُرْسِيَّاً يطرح نفسه عليه، فوجد برقية من حبيب له أنه قادم الساعة من

سفره، أو كتاباً مستعجلاً من الوزير يدعوه إليه؛ ليرقي درجته، فأحسَّ الخفة

و الشبع، وعدا عدواً إلى المحطة، أو إلى مقر الوزير؟

هذه القوى هي منبع السعادة تتفجر منها كما يتفجر الماء من الصخر نقيَّاً

عذباً، فتتركونه وتستقون من الغدران الآسنة، والسواقي العكرة !



يا أيها القراء:

إنكم أغنياء، ولكنكم لا تعرفون مقدار الثروة التي تملكونها، فترمونها؛ زهداً

فيها، واحتقاراً لها.



http://img105.herosh.com/2011/08/04/833083164.jpg (http://www.herosh.com)

:


لنا لقاء اخر معكم


.

رمادي
04-08-2011, 01:56 PM
ومن كتابه هتاف المجد انقل لكم هذا الكلام الجميل والمعبر
كلام كانه درر تكتب بماء الذهب


إن الإنكليزي أو الفرنسي ، لا يتأخر عن شكرك إن ناولته المملحة على المائدة ، ولا يقصر في الاعتذار إليك إن داس على رجلك خطأ في الطريق ، وإن رأى كلباً مريضاً تألم عليه وحمله إلى الطبيب ، وهو أنيق نظيف مهذب اللفظ لايستهين بذرة من هذه الآداب ، ولكنه لا يجد مانعاً يمنع رئيس وزرائه أن يأمر فيصب النار الحامية على البلد الآمن ، فيقتل الشيوخ والنساء والأطفال ، ويدمر ويخرب ويذبح الأبرياء ، ويفعل مالا تفعله الذئاب ذوات الظفر والناب ، ويدعي أنه هو المتمدن ؟ !
أهذه هي المدنية ؟ إن كانت هذه المدنية وهؤلاء هم المتمدنين فلعنة الله على المدنية وعلى أهلها

intesar
08-08-2011, 04:47 PM
علي الإنسان أن يسعى للحصول على السعادة.. لا أن ينتظر حتى تطرق السعادة بابه..
ودمتم بود..

رمادي
08-08-2011, 09:32 PM
علي الإنسان أن يسعى للحصول على السعادة.. لا أن ينتظر حتى تطرق السعادة بابه..
ودمتم بود..

الشيخ يتكلم في واد وانتي في واد اخر
هو يقول اختي ان نكيف انفسنا ونغير من فلسفة حياتنا
لان السعاده موجوده بداخلنا ولكن نحن من يطمسها
ولا يبالي بوجودها ..

اما السعي للحصول على السعاده فالكل يسعى
ولكن هي ليست بابا فنفتحه ..
ولا عالما فندخله ..
ولا مدينة في اخر الدنيا فنشد اليها الرحال ..
ولا علما فنتعلمه ..
ولا مالا نكتنزه ..
وانما هي احساس تنبع من داخلنا اولا ..
وتنتشر الى سائر الجسد ..
فنشعر بالنشوه والفرح ..

دمتي بود

intesar
10-08-2011, 10:18 PM
وانت في واد وأنا في واد..
كيف تعثر على السعادة اذا أنت ما سعيت لها.. والسعي إلى السعادة لا تكون بالمال والجري وراء ملذات الدنيا.. لو أنك توغلت أكثر في ما كتبت لكنت علمت أنني اختصرت ما قاله شيخنا في جملة واحدة..

رمادي
11-08-2011, 12:36 AM
وانت في واد وأنا في واد..
كيف تعثر على السعادة اذا أنت ما سعيت لها.. والسعي إلى السعادة لا تكون بالمال والجري وراء ملذات الدنيا.. لو أنك توغلت أكثر في ما كتبت لكنت علمت أنني اختصرت ما قاله شيخنا في جملة واحدة..


ممكن
:
:

ممكن اكون في الواد اللي خلف المول ..
شكرا لسعة صدرك .. :nice:

intesar
11-08-2011, 03:36 PM
العفو أخ رمادي