انتهت أمس الأول ملحمة الاكتتاب في ناقلات التي استمرت لقرابة ثمانية شهور منذ الأعلان عنها في يونيو من العام الماضي، ورغم كل ما قيل وكتب عن هذا الموضوع فإن النتائج كانت مفاجئة للكثيرين، حتى لأصحاب الشركة والمسؤولين في وزارة الطاقة والصناعة الذين أدهشهم الإقبال المنقطع النظير على الاكتتاب ووصوله إلى أرقام فلكية، سواء من حيث حجم الاكتتاب أو عدد المكتتبين. ولأن الاكتتاب في ناقلات لن يكون الأخير بل سيتبعه بالضرورة اكتتابات كثيرة هذا العام أو في الأعوام القادمة، فإن استخلاص الدروس والعبر مما جرى يصبح أمراً ضرورياً لاستبقاء الإيجابيات وتلافي السلبيات قدر الإمكان.
لقد قررت الحكومة منذ البداية الإنحياز لصغار المستثمرين وأعلنت ذلك في كل وسائل الإعلام، ولكنها لم تحدد ولو من باب التقريب الحد الأدنى الذي يمكن أن يحصل عليه صاحب البطاقة الواحدة، رغم أن عدد البطاقات كان معروفاً بدقة منذ البداية، وكان يمكن بالتالي وضع بعض التقديرات التي تقترب من الحقيقة.
ولقد حاولت ذلك بجهد فردي في شهر ديسمبر، وتوصلت إلى أن العدد المتوقع يتراوح ما بين 1600-1700 سهم، وكان من الممكن الاقتراب من الحقيقة أكثر لو توافرت لدي معلومات أكثر، كانت متاحة للشركة.
لقد كان بالإمكان تحديد حد أدنى للتخصيص منذ البداية وليكن ألف سهم أو ألف وخمسمائة سهم، وترك النسبة والتناسب لتتغير على ضوء النتائج النهائية فتزيد وتقل حسب المبالغ الزائدة وبما ينسجم مع الحد الأدنى المحدد سلفاً.
وكان من الممكن تعديل النتائج النهائية بما يتفق مع المقدمات المقترحة عن طريق التحكم في نسبة المال المدفوع من رأس المال. وعلى سبيل المثال تنخفض النسبة إلى 25% أو 2.5 ريال بدلاً من 50% أو 5 ريال في اكتتاب ناقلات لرفع الحد الأدنى للتخصيص إلى الرقم المستهدف.
إن سياسة الإنحياز لصغار المستثمرين التي تمارسها الحكومة بتوجيهات من حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى حفظه الله، إنما تهدف إلى تحقيق أكبرقدر من المشاركة الشعبية في جهود الدولة الإنمائية، مع الرغبة في منح الشعب أكبر قدر ممكن من المنافع العائدة من هذه المشاركة. ومثل هذا الهدف كان من الممكن أن يتحقق بصورة أفضل لو كان الحد الأقصى للمشاركة في حدود واحد بالمائة أو نصف مليون سهم أيهما أقل لكل بطاقة.
لقد أدى الغموض التام بشأن الحد الأدنى للتخصيص إلى عدم التيقن من مشروعية الاكتتاب وتأخرت الجهات المعنية في البحث عن تكييف شرعي لهذه المشكلة إلى أن جاءت فتوى الدكتور يوسف في الأسبوع الأخير لتزيد من درجة الإقبال عليه، ومع ذلك امتنعت البنوك الإسلامية عن التمويل لوجود قدر من الغرر في عدد الأسهم المشتراه. ولو أخذت شركة ناقلات بالاقتراح المشار إليه أعلاه لأمكن لتلك البنوك أن تمول ولو الحد الأدنى المقرر للتخصيص دونما حرج.
ومن جهة أخرى هناك من يرى في مثل هذا النوع من الشركات الإنمائية ضرورة قيام المؤسسين بالإجراءات اللازمة لقيام الشركة من تأسيس واستئجار مباني وتجهيزها وتعيين موظفين وممارسة قدر من الأعمال على مدى سنة كاملة يتم بعدها نشر أول ميزانية للشركة، ثم يتم بعد ذلك اتخاذ قرار بشأن طرح جزء من أسهم الشركة للاكتتاب العام. ومثل هذا الاقتراح يبدو مناسباً لشركات مثل ناقلات لم تكن بحاجة إلى كامل رأس المال إلا بعد سنوات من بدء الاكتتاب. ويساعد ذلك في إزالة ما تبقى من اعتراضات شرعية على تملك وبيع اسهم الشركة طالما أن الأموال أو جزء منها قد تحولت إلى أشياء عينية ملموسة وإلى عقود شراء وغيره.
وتظل بعد ذلك ملاحظات يطول الحديث بشأنها عن الجوانب المصرفية المتعلقة بسير عملية الاكتتاب وتمويل العمليات وشروطها وكيفية تجميع الأموال لدى البنوك ثم إعادة توزيع الفائض منها على ا لمكتتبين، ولهذه الموضوعات أهمية بالغة على السيولة المحلية وعلى استقرار الجهاز المصرفي مما يستدعي التطوير على ضوء ما أسفرت عنه الممارسة الفعلية.
الاستاذ بشير الكحلوت